الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب أن نبغض الكافر من قلوبنا لكفره، لقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]. وقوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]. وقوله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ. {الممتحنة:4}، وقوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].
إلا أنه ينبغي أن نبره وننصفه ولا نظلمه ما دام مسالما، كما يجب أن ندعوه إلى الإسلام بالحسنى عملا بالشرع وائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في ذلك، فقد قال الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. {الممتحنة: 8}.
ولا بأس بالبشاشة والضحك والمزاح معه من دون إظهار الرضا بما هو عليه، فالأصل جواز ذلك، كما يجوز الحديث معه والتعامل معه، وقد بوب البخاري في صحيحه فقال: باب الانبساط إلى الناس. وكلمة الناس عامة تشمل المسلم والكافر . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم مصارعة بعض الكفار كما في الحديث الذي رواه أبوداود في سننه، وحسنه الألباني في الإرواء أنه صلى الله عليه وسلم صارع ركانة فصرعه.
وقال ابن حجر في التلخيص: وروى أبو داود في "المراسيل" عن سعيد بن جبير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، فأتى عليه يزيد بن ركانة، أو ركانة بن يزيد، ومعه أعنز له، فقال له: "يا محمد، هل لك أن تصارعني"، قال: "ما تسبقني"، قال: "شاة من غنمي، فصارعه، فصرعه، فأخذ شاة، فقال ركانة: هل لك في العود، ففعل ذلك مرارا، فقال: يا محمد، والله ما وضع جنبي أحد إلى الأرض، وما أنت بالذي تصرعني، يعني: فأسلم، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم غنمه. إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير، إلا أن سعيدا لم يدرك ركانة، قال البيهقي: وروي موصولا. اهـ.
وقال الشوكاني في النيل: فيه دليل على جواز المصارعة بين المسلم والكافر وهكذا بين المسلمين، ولا سيما إذا كان مطلوبا لا طالبا وكان يرجو حصول خصلة من خصال الخير بذلك، أو كسر سورة كبر متكبر أو وضع مترفع بإظهار الغلب له. اهـ
ولا تعارض بين التعامل الحسن مع الكافر وبغضه بالقلب، فقد قال البخاري: ويُذكر عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا تلعنهم. اهـ.
وروى الشيخان عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول؟! فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو وَدَعَه الناس اتقاء فحشه .
وروى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك.
وقال الحافظ في "الفتح": والبر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى: [لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ] (المجادلة: 22). اهـ.
وسئل الشيخ سليمان بن عبد الله الماجد عمن كان بينه وبين الكفار مزاح... فأجاب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. إذا كان مزاحك وتبسطك معهم لم يكن محبة لكفرهم، ولا محبة مطلقة لأشخاصهم، وإنما كان لأجل دعوتهم، أو من نوع مجاملات العمل فلا يُعد هذا قدحاً في عقيدة البراء من الكافرين .
والله أعلم.