الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه أحمد في مسنده والحاكم وابن حبان والبيهقي في الشعب عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةً تُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: «هِيَ فِي النَّارِ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةً تُذْكَرُ قِلَّةَ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ وَلَا تؤذي جِيرَانَهَا. قَالَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ». وصححه الألباني وقال محقق المسند: إسناده حسن.
وليس في الحديث إشكال بحمد الله، فإنه من أحاديث الوعيد الدالة على أن أذية الجيران من كبائر الذنوب، ودلائل هذا كثيرة، حتى لقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه. فمن لقي الله مصرا على هذه الكبيرة فهو على خطر عظيم، وهو تحت مشيئة الرب تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ولذا كانت المرأة الثانية ناجية لأنها لم تفعل ما حرم عليها، بل فعلت الواجبات وتركت المحرمات، بخلاف الأولى فإنها فعلت ما تيسر لها من نوافل العبادات ولكنها لم تترك ما حرمه الله عليها فأضر بها إصرارها على هذه الكبيرة، ولذا قال القاري في المرقاة: (قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ) ؛ لِأَنَّ مَدَارَ أَمْرِ الدِّينِ عَلَى اكْتِسَابِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، إِذْ لَا فَائِدَةَ في تحصيل الفضول وتضييع الأصول. انتهى.
ومرد الأمور كلها إلى الله تعالى فإنه حكم عدل لا يظلم الناس شيئا، وإنما الواجب علينا أن ننتفع بهذه النصوص بأن نترك ما حذرتنا منه مستعينين على ذلك بالله تعالى طالبين النجاة منه وحده لا شريك له.
والله أعلم.