الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان انتساب هذه العائلة لجدكم مشهورا مستفيضا وقد تطاول عهده دون نكير من أحد، فلا يصح الطعن فيه ولا ينفى بواسطة ما يعرف بالبصمة الوراثية، وراجع الفتويين رقم: 125471، ورقم: 111129.
وأما إذا كان انتسابهم أمرا طارئا وليس عليه برهان، بل هو مجرد دعوى لا يؤيدها شهرة مستفيضة، ولا شهادة عدول، ولا دليل مقبول، فلا يثبت النسب بمثل ذلك، قال الشيخ بكر أبوزيد في فقه النوازل عن قاعدة: الناس مؤتمنون على أنسابهم ـ هذا ليس معناه تصديق من يدعي نسباً قبلياً بلا برهان، ولو كان كذلك لاختلطت الأنساب واتسعت الدعوى، وعاش الناس في أمرٍ مريج، ولا يكون بين الوضيع والنسب الشريف إلا أن ينسب نفسه إليه وهذا معنى لا يمكن أن يقبله العقلاء فضلاً عن تقريره، إذا تقرر هذا فمعنى قولهم: الناس مؤتمنون على أنسابهم ـ هو قبول ما ليس فيه جر مغنم أو دفع مذمةٍ ومنقصة في النسب كدعوى الاستلحاق لولد مجهول النسب. اهـ.
وقال في كتاب التعالم: المراد فيه: اللقيط، فالمسلم مؤتمن عليه بحكم الشرع يرعى أموره ولا يتبناه، ولا يراد به ما هو شائع من تصديق مدعي النسب من غير بينة، كاستفاضة وشهرة ونحوهما، لأنه بهذا المعنى يناهض قاعدة الشرع من أن البينة على المدعي ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم ... اهـ.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد: والطعن في الأنساب ـ أي: النيل، والقدح في أنساب الناس من غير دليل شرعي، ومن غير حاجة شرعية، فإن القاعدة التي ذكرها الإمام مالك وغيره من أهل العلم: أن الناس مؤتمنون على أنسابهم، فإذا كان لا يترتب على ذكر النسب أثر شرعي، من إعطاء حق لغير أهله، أو بميراث، أو بعقد نسبة، أو بزواج، ونحو ذلك، فإن الناس مؤتمنون على أنسابهم، أما إذا كان له أثر فلا بد من الإثبات، لا سيما إذا كان مخالفا لما هو شائع متواتر عند الناس. اهـ.
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع: الأصل أن الناس مؤتمنون على أنسابهم إلا من ادعى الشرف، فإن من ادعى الشرف والانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إلى من لهم الفضل كالأنصار ونحوهم ممن لهم حق في الإسلام، فإنه لا تقبل منه الدعوى مجردة، لكن لو كان يعلم بشهادة العدول من قرابته الذين يأتمنهم في دينه، حيث قالوا له: نحن من آل البيت، أو عندنا ما يثبت أننا من آل البيت، فإن من حقه أن يبني على شهادة من يثق بهم، فلا يقبل من أحد أن يدعي النسب والشرف إلا أذا أثبت، والإثبات يكون بالشجرة ـ كما هو معلوم ـ التي يعرفها أهل الخبرة، ويكون بشهادة العدول أن فلاناً من آل فلان، ويكون آل فلان قد ثبت نسبتهم إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الإثبات بما يسميه العلماء: شهادة السماع وشهادة السماع هي: أن يعرف بين الناس أن البيت الفلاني أو الفخذ الفلاني أو القبيلة الفلانية تنسب إلى كذا وكذا، فإذا اشتهر بين الناس أن هذا البيت من آل البيت فإنه يلحق ويحكم بثبوت نسبه بهذه الشهادة، وهذه التي يسميها العلماء: شهادة السماع، يعني يتسامع الناس في بيئة أو حي أو قبيلة أو جماعة بأن بني فلان من آل النبي صلى الله عليه وسلم، أو بني فلان من آل البيت، فيحكم بهذه الشهادة. اهـ.
وقال الدكتور الشريف حاتم العوني: المقصود منه الانتساب القريب، أما من ينتسب إلى النسب الشريف أو حتى إلى قبيلة من القبائل المعروفة المشهورة فلا بد من إثبات ذلك بإحدى طرق إثبات النسب المعروفة، وأما من كان جازماً بنسبته وليس عنده ما يثبت نسبه ولا يوجد ما يعارضه فنحن في الحقيقة لا نثبت ولا ننفي! وكذلك لو كان ينبني على نسبه أمور مالية فيلزم منه إثبات صحة انتسابه ولا يكفي مجرد الادعاء أو الظن. اهـ.
والخلاصة أن نسبة هذه العائلة إلى جدكم، إن كانت غير ثابتة بشهرة ولا وثائق ولا شهادة عدول ونحو ذلك، فلا حرج عليكم في مطالبتهم بدليل إثبات نسبهم، فإن استمرت الخصومة وأصروا على دعواهم ولم يقيموا عليها بينة مقبولة ولم يكن من سبيل إلى فضها إلا بالبصمة الوراثية فلا حرج في ذلك، وراجع الفتوى رقم: 7424.
والله أعلم.