الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجنس الرجال أفضل من جنس النساء، كما قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ {النساء:34}.
جاء في تفسير السعدي: بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ـ أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع، وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. انتهى.
فكون النبوة والرسالة في الرجال خاصة من دواعي تفضيلهم على النساء، لأن النبوة إصطفاء واختيار، كما قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ {الحج:75}.
وإذا انحصر هذا الاصطفاء والاختيار في الرجال، كان هذا دليلا على فضل جنسهم، قال جل وعلا: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {النساء:32}.
قال ابن كثير: نزلت هذه الآية في قول النساء: ليتنا الرجال فنجاهد كما يجاهدون ونغزو في سبيل الله عز وجل..
ثم إن التفضيل للرجال على النساء ليس مطلقاً، فليس كل ذكر أفضل من كل أنثى، بل هناك كثير من النساء أفضل من كثير من الرجال، وإنما هو تفضيل باعتبار الجنس وأصل النوع، أما باعتبار الأفراد فتعتبر الأفضلية بالتقوى، فراجعي الفتويين رقم: 106951، ورقم: 61435.
وأما عن فضل قريش فقد دلت النصوص على فضلهم، قال شيخ الاسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (ص: 154): واعلم أن الأحاديث في فضل قريش ثم في فضل بني هاشم فيها كثرة.... فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها، ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص، ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة واستحقاق قسط من الفيء إلى غير ذلك من الخصائص، فأعطى الله سبحانه كل درجة من الفضل بحسبها، والله عليم حكيم. انتهى.
وما قيل عن كون سبب ذلك هو كون النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، فقد قال فيه شيح الإسلام أيضا في اقتضاء الصراط المستقيم (ص: 148): فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم وسريانيهم رومهم وفرسهم وغيرهم وأن قريشا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفسا وافضلهم نسبا وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه و سلم منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور. انتهى.
وأما اللغة العربية: فإن نزول القرآن بها زادها فضلا ومكانة، فقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله تعالى ذكر فيها نزول القرآن باللغة العربية، فمن ذلك على سبيل المثال، قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {يوسف:2}. وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ {الشعراء:195}. وقوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الزمر:28}. إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا الأمر يجعل تعلمها ضروريا نظرا لكون تعلمها معينا على فهم القرآن والسنة وتدبر معانيهما، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله الاقتضاء أيضا: اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي ـ وفي حديث آخر عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم ـ وهذا الذي أمر به عمر ـ رضي الله عنه ـ من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه، لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله. انتهى. والله أعلم.