الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم إذا بلغه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله على أحسن المحامل، بما يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال علي بن أبي طالب وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه. أخرجه ابن ماجه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه في القسم ولا يفاضل بينهن، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يفضّل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا. أخرجه أبو داود.
مع أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم في قول طوائف من أهل العلم.
أما ما يتعلق بالأحاديث التي استشكلتها السائلة فحديث: أتاني رسول الله صلي الله عليه وسلم في غير يومي فطلب ضجعاً ...لا يصح، ذكره الذهبي في السير وفي إسناده محاضر بن المورع، وهو ضعيف.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور نساءه جميعا كل يوم، ولا يخص عائشة ـ رضي الله عنها ـ كما جاء في الصحيحين عن عائشة: كان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن.
وهذا بإذن صاحبة النوبة في قول بعض العلماء.
أما ما جاء في الحديث: فكان في بيت عائشة فجاءت زينب فمد يده إليها فقالت: هذه زينب، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده ـ فذلك لأن النوبة لعائشة، ولم يمس النبي صلى الله عليه وسلم زينب، لأن عائشة لم تأذن، قال القرطبي: كان هذا في الوقت الذي لم يكن في البيوت مصابيح، وإنما مدَّ يده إليها يظنَّها عائشة، وفيه ما يدل على صحة ما ذكرناه من أنه لا يجوز للزوج الاستمتاع بالواحدة في وقت الأخرى.
أما الحديث الآخر: فيبين المراد بالعدل الذي طلبه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري في أول هذا الحديث: وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس، فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه... ثم ذكر الحديث.
فمرادهن بالعدل: ألا يخص الناس يوم عائشة بالإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وليس هذا مما يتأتى العدل فيه، قال القرطبي: صدر ذلك منهن بمقتضى الغيرة والحرص على أن يكون لهن مثل ما كان لعائشة ـ رضي الله عنها ـ من إهداء الناس له إذا كان في بيوتهن، فكأنهن أردن أن يأمر من أراد أن يهدي له شيئا ألا يتحرى يوم عائشة ـ رضي الله عنها ـ ويحتمل أن يقال: إنهن طلبن منه أن يسوي بينهن في الحب، وكلا الأمرين لا يجب العدل فيه بين النساء، أما الهدية فلا تطلب من المهدي، فلا يتعين لها وقت، وأما الحب: فغير داخل تحت قدرة الإنسان ولا كسبه. اهـ بتصرف.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: إنها ابنة أبي بكر ـ فليس وقوفا مع عائشة ـ رضي الله عنها ـ ضد زينب رضي الله عنها، بل أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، لأنها لم تبدأ زينب بالكلام والخصومة، قال العراقي: ولعله استحسن منها كونها لم تبدأ بالكلام حتى تكلمت زينب وزادت، فصارت عائشة منتصرة لا سبيل عليها ثم بعد ذلك بلغت ما أرادت، فكان لها العاقبة والظفر بالمقصود.
وقال السندي: إشارة إلى كمال فهمها ومتانة عقلها حيث صبرت إلى أن ثبت أن التعدي من جانب الخصم، ثم أجابت بجواب إلزام.
والله أعلم.