الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان ينبغي لأخيك أن يصر على مخالفة أبويه في الزواج من تلك الفتاة بعينها ما لم يكن خشي على نفسه الوقوع معها في الحرام ، وقد قال ناظم النوازل العلوية في الفقه المالكي:
لابن هلال طوع والد وجب إن منع ابنه نكاح من خطب
ما لم يخف عصيانه للمولَى بها فطاعة الإله أولى
ولعله خشي على نفسه من الوقوع مع تلك البنت في الحرام وذلك هو ما ألجأه لإخفاء الزواج عن أبويه فيلتمس له العذر. ولا يعتبر بذلك عاقا لوالديه لكن لا يهجرهما ولا يقطع صلتهما مهما كان منهما.
ولا ينبغي للأبوين ترك ابنهما من أجل زواجه بمن لا يرضيان فذلك لا يصلح الأمر ولا يقرب الابن منهما؛ بل ربما يكون ذلك سببا في عون الشيطان عليه وبعده عنهما، بينما لو أظهرا الشفقة والنصح والحب فربما يكون ذلك سببا في إنابته من خطئه ورجوعه إلى رشده .
كما لا يجوز للإخوة والأخوات مقاطعة أخيهم، بل ينبغي أن يسعوا في صلح ذات البين ولم الشمل وترضية الأبوين ونصح الأخ. وإذا هجروا أخاهم وتركوا صلته فإنهم يأثمون بذلك .
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22278، 24983، 7119.
والذي ينبغي عليكم فعله هو أن تسلكوا مسلك الحكمة في معالجة هذا الأمر، فإن الإصلاح من أعظم القربات، قال تعالى:لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].
ولمكانة الإصلاح جعله النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الأمور الثلاثة التي يرخص فيها الكذب، ففي الصحيحين من حديث أم كلثوم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً أو يقول خيراً. وفي رواية مسلم قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
وظاهر كلام أهل العلم في الإصلاح أنه واجب على من يستطيع التأثير على المتنازعين في أمر يسبب قتالاً أو قطيعة رحم، وليس واجبا على كل أحد،
والله أعلم.