الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نصت المادة الثانية من هذا الدستور على أن الإسلام دين الدولة، وعلى أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
وجاء تفسير المبادئ في المادة (219) ونصها: مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية, وقواعدها الأصولية والفقهية, ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
ويستفاد من هذا أنه لا يجوز مخالفة الأدلة الكلية للشريعة الإسلامية، ولا قواعدها الأصولية والفقهية، ولا مصادرها المعتبرة عند أهل السنة؛ لأن ذلك لو حصل لما أصبحت المصدر الرئيسي للتشريع، ويؤكد هذا أن المحكمة الدستورية العليا قد أفادت سنة 1996 م أن كلمة (المصدر الرئيسي) تدل على الحصر، فكل ما عداها يعتبر من المصادر الفرعية، ولا يجوز لأي مصدر فرعي أن يخالف المصدر الرئيسي؛ وعلى ذلك فكل ما يخالف الشريعة الإسلامية بالمفهوم السابق يعتبر باطلًا.
والمقصود أن هذه المادة بهذه المثابة تعتبر مادة حاكمة على بقية مواد الدستور، فضلًا عن القوانين التفصيلية, ولا بد من تفسير المجمل من مواد الدستور في ضوء هذه المادة الحاكمة, وقد وجدنا عدة نصوص موهمة في مواد الدستور، وفي ألفاظها إشكال ظاهر، إلا أنها قيدت بما هو مبين في الدستور، وهذا التقييد يرجع في ما يرجع إليه إلى المادة الثانية التي سبق بيان معناها, ومن أمثلة ذلك المادة (5) ونصها : "السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات؛ وذلك على النحو المبين في الدستور", فهذه الجملة الأخيرة بمثابة التقييد والبيان لما أطلِق وأجمِل قبلها.
وكذلك المادة (82) ونصها: " تتكون السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الشورى, ويمارس كل منهما سلطاته على النحو المبين في الدستور".
فإذا كان الدستور ينص على المصدر الرئيسي للتشريع، فالسلطة التشريعية ملزمة بعدم الخروج عليه.
وكذلك نصت المادة (6) على "احترام حقوق الإنسان وحرياته؛ وذلك كله على النحو المبين في الدستور", فلا بد من تقييد الحريات بالقيد السابق، فلا مكان للحرية بالمفهوم الغربي المطلق من قيد الدين.
وأمر آخر ينبغي التنبيه عليه، وهو ما نصت عليه المادة الرابعة من أنه: "يؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية".
وأخيرا: ننبه على أن مسائل السياسة الشرعية التي مبناها على فقه المصالح والمفاسد، تختلف باختلاف الأحوال والبلدان؛ ولذلك ينبغي ردها إلى أهل العلم في كل بلد، لكونهم أدرى بحال بلدهم وملابسات الأمور فيه، وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 189743، 153299، 173891.
والله أعلم.