الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللشرب والأكل آداب كثيرة واردة في السنة. ومنها: التسمية في أولهما، وحمد الله تعالى في آخرهما, وهذا الأدب سواء كان في الشيء البارد أو الساخن. وعليه فسم الله تعالى في أول شربك للشاي ونحوه، واحمده في آخر شرابك وانتهائك منه تماما كما تفعل مع غيره من المشروبات.
وأما السنة في الشرب بثلاثة أنفاس، فإنما ذلك فيما يقدر على شربه كذلك, لا في كل مشروب وإن لم يقدر عليه, ومن شرب الماء دفعة واحدة أو أكثر من ثلاثة أنفاس فلا شيء عليه. وإنما ترك الأفضل.
قال الحافظ في فتح الباري: ولابن ماجه من حديث أبي هريرة، رفعه: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريد. قال الأثرم: اختلاف الرواية في هذا دال على الجواز وعلى اختيار الثلاث، والمراد بالنهي عن التنفس في الإناء أن لا يجعل نفسه داخل الإناء وليس المراد أن يتنفس خارجه، طلب الراحة، واستدل به لمالك على جواز الشرب بنفس واحد. وأخرج بن أبي شيبة الجواز عن سعيد بن المسيب وطائفة. وقال عمر بن عبد العزيز: إنما نهى عن التنفس داخل الإناء، فأما من لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفس واحد. قلت: وهو تفصيل حسن، وقد ورد الأمر بالشرب بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعا أخرجه الحاكم وهو محمول على التفصيل المذكور.
وقد جاء عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفَسٍ واحدٍ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأبِن القدح عن فيك، ثم تنفَّس، قال: فإني أرى القذاة فيه ؟ قال: فأهرقها. رواه الترمذي. والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 385 ) .
قال الشيخ الألباني - في ذكر فوائد الحديث - : جواز الشرب بنَفَسٍ واحدٍ؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على الرجل حين قال: " إني لا أروى من نفَسٍ واحد " ، فلو كان الشرب بنَفَسٍ واحدٍ لا يجوز لبيَّنه صلى الله عليه وسلم له، وقال له مثلاً " وهل يجوز الشرب من نفَسٍ واحد ؟! " ، وكان هذا أولى من القول له " فأبِن القدَح … " لو لم يكن ذلك جائزاً، فدلَّ قوله هذا على جواز الشرب بنَفَسٍ واحد، وأنَّه إذا أراد أن يتنفَّس تنفَّس خارج الإناء، وهذا ما صرَّح به حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فليُنحِّ، ثم ليعُد إن كان يريد. [ الصحيحة ( 386 ) ].
وعليه، فلا بأس أن تشرب الشاي والمشروبات الساخنة بأكثر من ثلاثة أنفاس.
كما أن التسمية والحمد على الشراب والطعام يحتمل أن تكون مرة واحدة في أوله وآخره، ويحتمل في كل شربة ولقمة بدءًا وانتهاءً.
قال المناوي في فيض القدير: كان يشرب ثلاثة أنفاس يسمي الله في أوله، ويحمد الله في آخره؛ أي يسميه في ابتداء الثلاث ويحمده في انتهائها. ويحتمل أن المراد يسمي ويحمد في أول كل شربة وآخرها؛ ويؤيده ما في أوسط الطبراني قال ابن حجر: حسن، عن أبي هريرة أن المصطفى كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله، وإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاثا. وأصله في ابن ماجه.
وانظر فتوانا رقم: 53642.
والله أعلم.