الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث. اهـ
وعليه، فلا تثبت الصفة بمجرد روايتها عن أحد التابعين، ولا سيما إذا كان ذلك في معرض قصص الأنبياء؛ فإنه يمكن أن يكون مأخوذا من الإسرائيليات.
وأما ما أشرت إليه من اللهوات، والأضراس فهو من جملة افتراءات أهل البدع والضلالة على أهل السنة والجماعة.
وأما عن الكتب التي تتحدث عن الصفات، فمن أحسنها كتاب الواسطية وشروحها، والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين.
وأما كلام القاضي أبي يعلى، فقد قال الشيخ عبد الله الغنيمان معقبا على كلامه: قلت: قولـه : ((لا على وجه الجارحة والبعض)) ، وقولـه : ((لا على وجه الاتصال والمماسة)) ؛ قول غير سديد، وهو من أقوال أهل البدع التي أفسدت عقولَ كثير من الناس؛ فمثل هذا الكلام المجمل لا يجوز نفيه مطلقاً، ولا إثباته مطلقاً؛ لأنه يحتمل حقاً وباطلاً، فلا بدَّ من التفصيل في ذلك، والإعراض عنه أولى؛ لأنَّ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم خال منه، وليس هو بحاجة إليه؛ فهو واضح، وليس ظاهر هذا الحديث أنَّ لله إزاراً ورداءً من جنس الأزر والأردية التي يلبسها الناس، مما يصنع من الجلود والكتان والقطن وغيره، بل هذا الحديث نص في نفي هذا المعنى الفاسد؛ فإنه لو قيل عن بعض العباد: إنَّ العظمة إزاره، والكبرياء رداؤه؛ لكان إخباره بذلك عن العظمة والكبرياء اللذين ليسا من جنس ما يلبس من الثياب. فإذا كان هذا المعنى الفاسد لا يظهر من وصف المخلوق؛ لأنَّ تركيب اللفظ يمنع ذلك، وبين المعنى المراد؛ فكيف يدعى أنَّ هذا المعنى ظاهر اللفظ في حق الله تعالى، فإنَّ كل من يفهم الخطاب ويعرف اللغة؛ يعلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن ربه بلبس الأكسية والثياب، ولا أحد ممن يفهم الخطاب يدعي في قولـه صلى الله عليه وسلم في خالد بن الوليد: ((إنه سيف الله))؛ أنَّ خالداً حديد، ولا في قولـه صلى الله عليه وسلم في الفرس: ((إنا وجدناه بحراً)) ؛ أنَّ ظاهره أنَّ الفرس ماء كثير ونحو ذلك)). اهـ.
والقاعدة في باب الصفات ما قاله الحافظ أبو بكر الخطيب إذ يقول رحمه الله: أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو لبيان إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يد، وسمع، وبصر ، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وقوله عز وجل : ( ولم يكن له كفوا أحد ). اهـ
وراجع في كتاب دفع شبه التشبيه لابن الجوزي الفتوى رقم: 68107.
والله أعلم.