الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله عز وجل قد أباح لعباده صيد الكلب المعلم في كتابه الكريم، فقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {المائدة:4}، وذلك تخفيفًا على العباد, ورحمة بهم، قال ابن عثيمين - في فوائد هذه الآية الكريمة -: أن المشقة تجلب التيسير؛ لأنه لما كان يشق على الإنسان أن يصطاد الصيد بنفسه في كل وقت وحين؛ لأن المصيد ربما يكون مثلًا في جبال, أو في سهول, أو في أودية, ولا يستطيع أن يصيده بنفسه, رخص له أن يصيد بجارحة، وهذا من توسعة الله عزّ وجل على عباده في أسباب الرزق أهـ.
ودلت السنة كذلك على إباحته, كما في حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إذا أرسلت كلابك المعلمة، وذكرت اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك، وإن قتلن.. الحديث أخرجه مسلم.
جاء في كتاب الفقه المنهجي للدكتور مصطفى الخن, والدكتور مصطفى البغا, والشيخ علي الشّرْبجي: الحكمة من مشروعية الصيد: اعلم أن الوسائل التي حدّدها الشارع لحل أكل الحيوانات، من تذكية: أي ذبح، وصيد, ونحوهما داخلة في قسم التعبدات المحضة، وليست قائمة على شيء من العلل والمصالح التي تقوم على أمثالها أحكام المعاملات, غير أن للباحث أن يستجلي بعض الحِكَم من حلِّ أكل بعض الحيوانات دون بعضها الآخر، ومن مشروعية الصيد إلى جانب مشروعية التذكية بالذبح، فإن كثيرًا من العبادات يمكن للباحث الوقوف على بعض أسرارها وحكمها, وحكمة مشروعية الصيد تشبه الحكمة من مشروعية ذكاة الضرورة، أي: التذكية الاضطرارية التي سنتحدث عنها فيما بعد, إذ لمّا كان في الحيوانات التي استطابتها العرب، وأقرّت الشريعة الإسلامية أكلها، ما هو وحشي وغير أليف، يصعب إخضاعه للتذكية العادية يسّر الله سبحانه وتعالى على الناس سبيل الحصول على هذه الحيوانات عن طريق القنص والصيد، وأقام ذلك مقام التذكية الأصلية، إن لم يتمكن الصائد منها, وفي ذلك من التيسير على الناس ما لا يخفى ألطافه وفوائده على أي متأمِّل وباحث. أهـ.
وينبغي أن يعلم العبد أن عليه الانقياد والتسليم للحكم الشرعي، وإن لم يعلم الحكمة منه، فليس كل حكم شرعي له علة يعلمها العباد، وما يستنبط أحيانًا من العلل قد يكون فيه نوع من القصور يجعله عرضة للأخذ والرد، فأولى ما يقال في تعليل الأحكام الشرعية: أن الشرع قد جاء بها، قال الشيخ ابن عثيمين: فنهيُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأمره الشَّرعي هو العِلَّة بالنسبة للمؤمن, بدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36], فالمؤمن يقول: سمعنا وأطعنا, ويدلُّ لذلك أن عائشة سُئِلت: ما بالُ الحائض تقضي الصَّوم ولا تقضي الصَّلاة؟ قالت: «كان يُصيبنا ذلك؛ فنُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصَّلاة»، فبيَّنت أنَّ العِلَّة في ذلك هو الأمر, لكن ذلك لا يمنع أن يتطلَّبُ الإنسان الحكمةَ المناسبة؛ لأنه يعلم أن أوامر الشَّرع ونواهيه كلها لحكمة، فما هي الحكمة؟ وسؤال الإنسان عن الحكمة في الأحكام الشرعية أو الجزائية أمرٌ جائز، بل قد يكون مطلوبًا إذا قُصِدَ به العلم؛ ولهذا لمَّا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في النساء: «إنَّكُنَّ أكثرُ أهلِ النَّارِ»، قُلْن: بِمَ يا رسولَ الله؟ فسألن عن الحِكمة؟ قال: «لأنَّكُنَّ تُكثِرْنَ اللَّعنَ, وتَكْفُرْنَ العَشير», وأما إذا قصد أنَّه إن بانت العِلَّة امتثل وإلا فلا، فالسؤال حينئذ حرام؛ لأنه لازمُه قَبُول الحقِّ إنْ وافق هواه، وإلا فلا. أهـ.
والله أعلم.