الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج كروب المسلمين, وأن ينصرهم على عدوه وعدوهم، ثم ليعلم أن الجماعة وكذا الجمعة يسقطان للخوف على النفس أو الأهل أو المال، وكذا يجوز في حال الخوف الجمع بين الصلاتين مشتركتي الوقت، قال في الروض المربع: ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض... ويعذر بتركهما خائف من ضياع ماله أو فواته.... أو خاف على أهله، أو ولده، (أو) كان يخاف (على نفسه من ضرر) كسبع, أو من سلطان يأخذه. انتهى مع الاقتصار على محل الغرض من كلامه، فعلم بهذا أن الأمر سهل - والحمد لله - فإن دين الله تعالى يسر, والله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
وأما ما يلزمه المسلم من الأدعية والأذكار في هذه الحال: فليكثر من أدعية الكرب, ولتنظر الفتوى رقم: 103409, ورقم: 152279.
وليكثر من الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله إذا خاف قومًا، فقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح - كما قال النووي - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: اللَّهُمَّ إنا نجعلك في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شرورهم.
وعن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالتِ الشمسُ، ثم قامَ في الناس قال: أيُّها النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ, واسألوا اللَّهَ العافِيَةَ، فإذَا لَقيتُموهُم فاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ. ثم قال: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحابِ، وَهازِم الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ. وفي رواية: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكتابِ، سَرِيعَ الحِسابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ. أخرجاه في الصحيحين.
وينبغي أن يلزم المسلم ذكر الله في هذه الحال خصوصًا, فإنه من أعظم أسباب كشف الكروب, وإزالة الهموم, وحصول طمأنينة القلب, وانشراح الصدر.
والمعلوم من حال السلف الصالح - رحمهم الله - رجالهم والنساء أنهم كان هذا حالهم في تلك الأحوال, فيتوكلون على الله تعالى, ويعلقون قلوبهم به, ويلتمسون النصر من عنده, ويجتهدون في دعائه والتضرع له سبحانه, عالمين أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو, ولا يدفع السيئات إلا هو، وكانوا في ذلك يقتدون بنبيهم صلى الله عليه وسلم الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر, والثبات, والتوكل على الله, وحسن الالتجاء إليه, والثقة بنصره سبحانه، وأخباره في هذا صلوات الله عليه وسلامه مما امتلأت به سيرته العطرة.
والله أعلم.