الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع قد أباح تعدد الزوجات لمصالح عظيمة سبقت الإشارة إلى بعضها بالفتوى رقم: 71992. وقد قيد الشرع هذه الإباحة ببعض الضوابط، ومن أهمها القدرة على العدل بينهن في المبيت والنفقة، حتى يستقر الحال، وتستقيم الحياة في الأسرة فلا تشعر إحدى الزوجات بشيء من الضيم والظلم.
وليس من شرط إباحة التعدد إعلام الزوجة الأولى أو أخذ موافقتها حتى يتزوج زوجها من أخرى، وما لم يجعله رب العزة والجلال شرطا لا يجوز جعله شرطا، ولا عبرة بقانون يعارض الشرع الحكيم، ولا مؤاخذة على من يخالفه، فالله تعالى الذي خلق الخلق، وهو أدرى بمصالحهم، هو الذي يشرع لهم، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف:54}. فالخالق هو الذي يأمر وينهى، ويحل ويحرم.
قال ابن كثير في تفسيره: فكما أن له الملك بلا منازع، فكذلك له الحكم بما يشاء. اهـ.
والمؤمن والمؤمنة يترك هوى نفسه ورغبتها لأجل ما يحبه الله، فهذا دليل إيمانه، قال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}، وقال: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51}، وقال أيضا: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 128317.
وأما حكم استخدام الزوجة القانون لمنع زوجها من التعدد ففيه تفصيل سبق بيانه بالفتوى رقم: 79483. ولمعرفة طريقة التعدد في بلاد تمنعه يمكن مطالعة الفتوى رقم: 115191.
وفي الختام ننبه إلى أنه إذا غلب على ظن الزوج أن التعدد قد يوقعه في شيء من الحرج والمساءلة أمام الجهات القانونية، أو أن يؤدي إلى تشتت أسرته وتفويت مقاصد الشرع في تشريع الزواج، فالأولى به في هذه الحالة ترك التعدد حتى يتوفر الوقت والحال المناسب.
والله أعلم.