الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعتدة عدة وفاة يجب أن تبقى في البيت الذي مات عنها زوجها وهي فيه، فلا تخرج لسفر إلا لضرورة، بل تمكث في بيتها حتى تنتهي العدة، وعدة المتوفى زوجها أربعة أشهر وعشرا .
ودليل ذلك ما رواه الخمسة، وصححه الترمذي عن فريعة بنت مالك قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له، فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه، فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي، ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته، وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي لكان أرفق لي في بعض شأني، قال: تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال: امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً قالت: وأرسل إلي عثمان فأخبرته فأخذ به.
وقال ابن قدامة في المغني : ... . وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها: عمر, وعثمان رضي الله عنهما. وروي ذلك عن ابن عمر, وابن مسعود, وأم سلمة. وبه يقول مالك, والثوري, والأوزاعي, وأبو حنيفة, والشافعي, وإسحاق. وقال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار, بالحجاز, والشام, والعراق, ومصر. وقال جابر بن زيد, والحسن, وعطاء تعتد حيث شاءت. وروي ذلك عن علي, وابن عباس, وجابر, وعائشة رضي الله عنهم. إلى أن قال: إذا ثبت هذا, فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به, سواء كان مملوكا لزوجها, أو بإجارة, أو عارية; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة: امكثي في بيتك. ولم تكن في بيت يملكه زوجها. وفي بعض ألفاظه: { اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك } وفي لفظ: { اعتدي حيث أتاك الخبر } فإن أتاها الخبر في غير مسكنها, رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمعتدة أن تنشئ سفراً قريباً كان هذا السفر أو بعيداً، بل يجب عليها أن تلزم بيت الزوجية الذي كانت تسكنه وإن كان هذا السفر لأجل الحج. انتهى.
والله أعلم.