الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يعود لسانه الخير, وأن لا يتفاءل الشر لنفسه، وأن يسأل الله تعالى العافية، فقد ورد في بعض الآثار أن البلاء موكل بالمنطق. روي ذلك مرفوعًا, وذكر المحدثون أنه ضعيف.
قال في المقاصد الحسنة: وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات من حديثي أبي الدرداء, وابن مسعود، ولا يحسن بمجموع ما ذكرناه الحكم عليه بذلك، ويشهد لمعناه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي الذي دخل عليه يعوده، وقال له: لا بأس، فقال له الأعرابي: بل هي حمى حتى تفور، إلى آخره: فنعم إذن. وأنشد القاضي ابن بهلول:
لا تنطقن بما كرهت فربما ... نطق اللسان بحادث فيكون.
وأنشد غيره:
لا تمزحن بما كرهت فربما ... ضرب المزاح عليك بالتحقيق .
وبالجملة: فما زال أعلام هذه الأمة قديمًا وحديثًا يذكرون هذا المعنى ويقرونه، وله بعض المستند من ظواهر النصوص الشرعية غير الأثر المتقدم، وله كذلك مستند من التجربة والمشاهدة، قال ابن القيم: وقد استشكل هذا من لم يفهمه, وليس بحمد الله مشكلًا, فإن مسبب الأسباب جعل هذه المناسبات مقتضيات لهذا الأثر, وجعل اجتماعها على هذا الوجه الخاص موجبًا, له وأخر اقتضاءها لأثرها إلى أن تكلم به من ضرب الحق على لسانه, ومن كان الملك ينطق على لسانه, فحينئذ كمل اجتماعها وتمت, فرتب عليها الأثر, ومن كان له في هذا الباب فقه نفس انتفع به غاية الانتفاع, فإن البلاء موكل بالمنطق, قال أبو عمر: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالقول, ومن البلاء الحاصل بالقول قول الشيخ البائس الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه حمى, فقال: لا بأس, طهور -إن شاء الله - فقال: بل حمى تفور, على شيخ كبير, تزيره القبور, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنعم إذم. وقد رأينا من هذا عبرًا فينا وفي غيرنا, والذي رأيناه كقطرة في بحر. وراجعي الفتوى رقم: 141811.
والله أعلم.