الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يتعلق بالردة: فقد بينا لك في جواب سؤالك المشار إليه أنه لا ردة في هذا الفعل.
وأما الحديث الذي أشرت إليه: فإن كنت تعني قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به. فقد قال ابن حجر: ورجاله ثقات, وقد صححه النووي.
فالمقصود بنفي الإيمان هنا نفي الكمال, وليس المراد به نفي أصل الإيمان, فصاحبه مؤمن ناقص الإيمان, لكنه غير مرتد، يقول الشيخ عبد المحسن العباد: نفيُ الإيمان في الحديث نفيٌ للكمال الواجب، قال النووي في شرح الأربعين: أي: أنَّ الشخصَ يجب عليه أن يعرضَ عملَه على الكتاب والسنة، ويخالف هواه, ويتبع ما جاء به صلى الله عليه وسلم.
وقال المباركفوري: المراد نفي الكمال، أي: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون في متابعة الشرع, وموافقته له كموافقته لمألوفاته، فيستمر على الطاعة من غير كلفة وكراهية، وذلك عند ذهاب كدر النفس، وبقاء صفوتها، وهذه حالة نادرة, إلا في المحفوظين من أوليائه.
وإن كنت تعني قوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده. متفق عليه. فالمراد به أيضًا نفي الكمال, وليس نفي أصل الإيمان وجنسه، قال في مرقاة المفاتيح: أي: لا يكمل إيمان من يدعي الإيمان، فالمراد بالنفي كمال الإيمان, ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم, كقولهم: فلان ليس بإنسان.
ونقل العباد: قال ابن حجر: أي: إيمانا كاملا، قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في فيض القدير: أي: إيمانًا كاملًا، وقال في قوله: حتى أكون أحب إليه) غاية لنفي كمال الإيمان، ومن كمل إيمانه علم أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بترجيح حبه على حب كل من ولده ووالده والناس أجمعين، وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد: لا يؤمن أحدكم: أي الإيمان الواجب والمراد كماله.
والله أعلم.