الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن ما ذكرته من أمر الشذوذ الجنسي، مناف للفطرة، واعتداء عظيم، أنزل الله تعالى بأهله أليم عقابه، كما قال تعالى: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ {الحجر:74}. فالحمد لله الذي منَّ عليك بالتوبة من هذا الجرم العظيم.
أما الوسائل المساعدة في الالتزام والثبات عليه، فمنها: استحضار أن ما تقدم من هذا الشذوذ إنما هو انتكاسة وخروج عن الفطرة السليمة، حتى يحصل في قلبك كرهه والنفور منه. ومن الوسائل: الدعاء، وصحبة الأخيار، وحضور مجالس العلم والوعظ التي ترقق القلوب وتزكي النفوس, ومنها: دعوة الآخرين للاستقامة، والاشتغال بالأعمال الصالحة، وترهيبهم وتنفيرهم من الاشتغال بالرذائل، ومن الوسائل التي تساعدك على قمع النفس: كثرة النظر والتأمل في نصوص الوحي التي ترهب من عذاب الله، فإن العلم بها يقمع الأهواء؛ كما يدل له الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً, وما تلذذتم بالنساء على الفرش, ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، والألباني.
وأكثر كذلك من النظر والمطالعة في الحديث عن الله تعالى، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فطالع في صفات عظمته وجبروته وانتقامه، واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس، وبخطرات نفوسهم، حتى يتولد عندك من استشعار المراقبة ما يولد فيك الحياء من الله تعالى، ومهابته وخشيته بالغيب، وأكثر سؤال الله أن يعفك ويعيذك من الشر، ويعصمك من الفتن، وحافظ على الأذكار فإنها تحميك من الشيطان، فاذكر الله بحضور القلب كلما خطرت الشهوة في قلبك، وسل الله أن يخفف ما بك ويعفك، فادع الله بالدعاء المأثور: اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى. رواه مسلم. وبالدعاء المأثور: اللهم طهر قلبي، وحصن فرجي. رواه أحمد.
وكلما نزغك من الشيطان نزغ، فاستعذ بالله، وتذكر خطر المعاصي وضررها الماحق في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36}. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ { الأعراف:201}.
وعليك بالإكثار من ذكر الله والصلاة؛ فإن الصلاة وكثرة الذكر لهما أثر عظيم في نهي صاحبهما عن الفحشاء والمنكر؛ قال الله سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت 45}.
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت 45} قال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث: أن يحيى بن زكريا قال لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
ونمّ بقلبك استشعار مراقبة الله، والخوف من عقابه بزيادة معرفته، فقد قال ابن القيم: وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية. وفي رواية: خوفاً.
وقال: ومقام الخشية جامع لمقام المعرفة بالله، والمعرفة بحق عبوديته، فمتى عرف الله وعرف حقه اشتدت خشيته له، كما قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء. فالعلماء به وبأمره هم أهل خشيته، قال النبي: أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية.
وأما ما يخطر بالقلب أحيانا، فلا مؤاخذة فيه إن كنت تصرف ذهنك عنه، بحيث لا تستقر هذه الخواطر الشيطانية في قلبك، ومن يستعفف يعفه الله.
والله أعلم.