الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنّ الزواج مندوب إليه في الشرع ومُرَغّب فيه، فلا ينبغي الإعراض عنه دون مسوّغ، لكن تركه جائز غير محرم؛ إلا لمن يخشى على نفسه الوقوع في الحرام فيجب عليه الزواج رجلا كان أو امرأة، قال البهوتي الحنبلي: وَيَجِبُ النِّكَاحُ بِنَذْرٍ، وَعَلَى مَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ زِنًا، وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ظَنًّا, مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ, وَطَرِيقُهُ النِّكَاحِ.
وقال المرداوي عند الكلام على أقسام النكاح: حيث قلنا بالوجوب، فإن المرأة كالرجل في ذلك.
وعليه؛ فإن كنت لا تخشين على نفسك الوقوع في الحرام فلا حرج عليك في ترك الزواج، واعلمي أن طاعة الزوجة لزوجها في المعروف واجبة، وبغض شيء مما جاء به الشرع به كفر ـ والعياذ بالله ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر؛ لقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ.
لكن هذا الحكم يتعلق بكراهة الأمر باعتباره حكماً شرعياً، أما بغض شيء بمقتضى الطبع مع الرضا والتسليم بالحكم الشرعي، فهذا لا مؤاخذة عليه، قال الطاهر بن عاشور: ومعلوم أن كراهية الطبع الفعلَ لا تنافي تلقي التكليف به برضا لأن أكثر التكليف لا يخلو عن مشقة.
وقال ابن القيم: وليس من شرط الرضى ألا يحس بالألم والمكاره، بل ألا يعترض على الحكم ولا يتسخطه، ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه وطعنوا فيه وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنما هو الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهية وهما ضدان، والصواب: أنه لا تناقض بينهما، وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى؛ كرضى المريض بشرب الدواء الكريه، ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمإ، ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها.
وننبهك إلى أن قوامة الرجل على زوجته ووجوب طاعتها له في المعروف لا تعني تسلطه وتجبره عليها أو تجاهل مشاعرها وإساءة عشرتها، وإنما القوامة تعني رعاية المصالح الدينية والدنيوية وتقتضي الرحمة والإحسان، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ـ وقال ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال والخلق، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه، قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع.
كما ننبه إلى أن الأصل في الشرع أن أحدا لا يؤخذ بجريرة غيره، قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الانعام : 164}.
وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال: سمعت رسول الله يقول في حجة الوداع: ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده. رواه ابن ماجه.
فالذي ننصحك به ألا تتركي الزواج فإنه من سنن المرسلين ويشتمل على مصالح عظيمة، وانظري الفتويين رقم: 72253، ورقم: 62381.
والله أعلم.