الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فنقول ابتداء: إن العلماء مختلفون في المسافر إذا كان سينوي إقامة أربعة أيام في بلد ما هل ينقطع عنه حكم السفر أم لا؟ فمنهم من قال: ينقطع عنه حكم السفر, ويصير في حكم المقيم, وهو المفتى به عندنا, ومنهم من قال: لا ينقطع عنه حكم السفر ما دام لم ينو الإقامة المطلقة.
وعلى القول المفتى به عندنا: فما دامت المدينة التي ستقيم فيها تقام فيها الجمعة فإنه يجب عليك السعي إليها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ {الجمعة: 9}, ولا نجد لك رخصة تبيح لك التخلف عنها ما دمت في مدينة تقام فيها الجمعة, وقد ذكر أهل العلم أن من كانوا داخل المدينة فإنهم يجب عليهم السعي للجمعة - ولو كانوا بعيدين عن محل إقامتها - كما بيناه في الفتوى رقم: 154277 عن المسافة الموجبة للسعي للجمعة.
وما ذكرته من عدم معرفتك بمكان المسجد ليس عذرًا؛ إذ بإمكانك أن تستدل عليه بالسؤال, أو بالخرائط, ونحوها مما هو متيسر وموجود.
وأما بالنسبة لاستئجار سيارة للذهاب إلى الجمعة فإنك في الأصل لا تطالب بها, والواجب إنما هو السعي إلى الجمعة ماشيًا أو راكبًا عند دخول الوقت أو قبله إذا كان منزلك بعيدًا, وعلمت أنك لو مشيت عند دخول الوقت لم تدركها, قال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِالسَّعْيِ وَقْتَ النِّدَاءِ، فَعَلَيْهِ السَّعْيُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ، وَالسَّعْيُ قَبْلَ النِّدَاءِ مِنْ ضَرُورَةِ إدْرَاكِهَا، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ. اهــ
وإذا كان المشي يشق عليك مشقة غير محتملة, وأمكنك استئجار سيارة لزمك؛ لما ذكره الفقهاء من لزوم المركوب للجمعة لمن تعذر عليه المشي , ففي أسنى المطالب: وتلزم الجمعة زمِنًا وشيخًا هرمًا إن وجد مركوبًا, ولو آدميًا لا يشق ركوبه بملك أو إجارة ... اهــ
وجاء في شرح الخرشي على مختصر خليل عن الأعمى وسعيه للجمعة: وَلَوْ وَجَدَ قَائِدًا بِأُجْرَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. اهــ
لكن إن كانت الأجرة باهظة فنرجو أن لا حرج عليك في التخلف حينئذ, قال الدسوقي في حاشيته عمن يشق عليه المشي للجمعة: فَإِنْ شَقَّ مَعَهُ الْإِتْيَانُ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا وَجَبَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لَا تُجْحِفُ بِهِ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ ... اهــ .
وأما كون الخطبة بغير العربية فقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 12857 صحة الخطبة بغير العربية عند أكثر العلماء في حال العجز عن العربية, وأن حضورها واجب ولو مع عدم الفهم إذا لم يوجد غيرها.
والله تعالى أعلم.