الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أقصى الكمال البشري في أخلاقه ومعاشراته، فقد كان جميل العشرة، لا يواجه أحداً بما يكره، وقد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلم إكرام النساء، والمبالغة في الإحسان إليهن حتى عوتب في ذلك بقوله تعالى: ..تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {التحريم:1}.
وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم مارية، إرضاء لحفصة -رضي الله عنها- ولا يلزم من ذلك خوفه منها، ففي الحديث عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة، وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله عز وجل: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى آخر الآية . رواه النسائي.
قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.
وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي من طريقه عن هشيم، عن عبيدة، عن إبراهيم، وعن جويبر، عن الضحاك: أن حفصة أم المؤمنين زارت أباها ذات يوم، وكان يومها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرها في المنزل أرسل إلى أمته مارية القبطية، فأصاب منها في بيت حفصة، فجاءت حفصة على تلك الحال، فقالت: يا رسول الله أتفعل هذا في بيتي في يومي؟ قال: فإنها حرام علي، لا تخبري بذلك أحدا، فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها بذلك، فأنزل الله تعالى في كتابه: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى قوله {وصالح المؤمنين} فأمر أن يكفر عن يمينه ويراجع أمته.
قال الحافظ في تلخيص الحبير: وبمجموع هذه الطرق يتبين أن للقصة أصلا، أحسب، لا كما زعم القاضي عياض أن هذه القصة لم تأت من طريق صحيح، وغفل - رحمه الله - عن طريق النسائي التي سلفت فكفى بها صحة، والله الموفق. اهـ.
والله أعلم.