الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاءت هذه العقيدة الباطلة بسبب الغلو في الدين، ولم يأت بها الحواريون، بل أول من أدخلها في دين النصارى بولس, قال شيخ الإسلام: وَهَذَا الغلو الَّذِي فِي النَّصَارَى حَتَّى اتَّخذُوا الْمَسِيح وَأمه إِلَهَيْنِ من دون الله, وَاتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله, قد ذكرُوا أَن أول من ابتدعه لَهُم بولص الَّذِي كَانَ يَهُودِيّا فَأسلم, وَاتبع الْمَسِيح نفَاقًا ليلبس على النَّصَارَى دينهم, فأحدث لَهُم مقالات غَالِيَة, وَكَثُرت الْبدع فِي النَّصَارَى فِي اعتقاداتهم وعباداتهم, كَمَا قَالَ تَعَالَى: "ورهبانية ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله فَمَا رعوها حق رعايتها فآتينا الَّذين آمنُوا مِنْهُم أجرهم وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ" [سُورَة الْحَدِيد 27]. انتهى.
قال ابن القيم: بُولُسَ الشِّمْشَاطِيَّ, وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي شَأْنِ الْمَسِيحِ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ, وَكَانَتِ النَّصَارَى قَبْلَهُ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ عَبْدٌ رَسُولٌ مَخْلُوقٌ وَمَرْبُوبٌ, لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: بُولُسُ هَذَا - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَفْسَدَ النَّصَارَى وَأَفْسَدَ دِينَهُمْ - إِنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى خُلِقَ مِنَ اللَّاهُوتِ إِنْسَانًا كَوَاحِدٍ مِنَّا فِي جَوْهَرِهِ، أَنَّ ابْتِدَاءَ الِابْنِ مِنْ مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ اصْطُفِيَ لِيَكُونَ مُخَلِّصًا لِلْجَوْهَرِ الْإِنْسِيِّ، وَصَحِبَتْهُ النِّعْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فَحَلَّتْ فِيهِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ابْنَ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ. انتهى.
والظاهر أن هذه العقيدة جاءت بعد رفع المسيح - عليه الصلاة والسلام - فإن مبتدعها وهو بولس يقال: إنه بدأ إدخال تحريفاته في دين النصارى فيما بين عام 51 - 55 م، كما سبقت الإشارة إليه في فتوانا رقم: 27986.
وأما الحواريون فلم نقف على أحد من العلماء صرح بأن منهم من كفر، ولكنهم ليسوا بمعصومين, قال شيخ الإسلام: دَعْوَى الْعِصْمَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ, وَأَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - دَعْوَى مَمْنُوعَةٌ, وَهِيَ بَاطِلَةٌ, وَإِنَّمَا هُمْ رُسُلُ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَنْزِلَةِ رُسُلِ مُوسَى وَرُسُلِ إِبْرَاهِيمَ وَرُسُلِ مُحَمَّدٍ, وَأَكْثَرُ النَّصَارَى أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: هُمْ رُسُلُ اللَّهِ, وَلَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ, وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ فَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ, وَلَيْسَ بِمَعْصُومٍ, وَإِنْ كَانَتْ لَهُ خَوَارِقُ عَادَاتٍ, كَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ كَرَامَاتٌ مِنَ الْخَوَارِقِ - فَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين : 30506 ، 27069.
والله أعلم.