الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعاء على أعداء الله الذين يحاربون الله ورسوله بالموت مشروع، إذا أصروا على كفرهم وعنادهم، لورود ذلك في القرآن والسنة، وفي كلام سلف الأمة، مثل قول الله تبارك وتعالى: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:88-89]. وقال تعالى: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً [نوح:26]، قال الضحاك: ديارًا واحداً. اهـ.، وقال القرطبي: دعا عليهم حين يئس من اتباعهم إياه. اهـ.
وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأحزاب، كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم. وفي هزيمتهم موت بعضهم كما هو معلوم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- في حديث طويل... وفيه: أن عقبة بن أبي معيط وضع على رأس النبي -صلى الله عليه وسلم- أجزاء من بطن جزور مذبوح وهو يصلي. قال ابن مسعود: فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثم قال: اللهم عليك بقريش، ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته، ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، (وذكر السابع ولم أحفظه)، فوالذي بعث محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالحق، لقد رأيت الذين سمّى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر.
ودعا خبيب بن عدي على المشركين حينما أرادوا قتله، فقال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا. رواه الطبراني في المعجم الكبير.
وغير ذلك من الأحاديث والآثار التي تدل بمجملها على مشروعية الدعاء على الكافرين بالموت والهلاك عند اليأس من هدايتهم، أو استمرار إيذائهم للمؤمنين.
ويجوز كذلك الدعاء على الظالم ولو كان مسلماً، وإن كانت مسامحته أولى، لقوله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43]. وقال تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: من الآية126].
ومما يدل على جواز الدعاء على الظالم ولو كان مسلماً ما رواه مسلم في صحيحة عن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: وما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً، طوقه إلى سبع أرضين، فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت.
ودعاء سعيد بن جبير على الحجاج لما أمر بقتله فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. ذكره الذهبي في السير.
وروى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.
فإذا دعا أحدٌ على أحد بغير حق كان هو الظالم، ولم يستجب الله له، كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. وراجع شروط إجابة الدعاء في الفتوى: 2395.
والله أعلم.