الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا في الجواب السابق، أن مجرد التفكير في المعصية لا إثم فيه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. رواه مسلم.
والمقصود بالتفكير هنا: ما مر على فكر الإنسان من غير استقرار، ولا عزم، ولا نية فعل المعصية، وهذا معنى "لم يوطن نفسه على المعصية"، قال النووي في شرح مسلم: فأما الهمُّ الذي لا يكتب، فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها، ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم. اهـ.
أما إذا فكر فيها، وعزم على فعلها أو نوى فعلها، فإنه يأثم على عزمه ونيته، لا على نفس المعصية، لأن الله تعالى، لا يعاقب الإنسان إلا على ما حصل منه فقط، والعزم والنية قد حصلا، أما نفس المعصية فلم تحصل، وقد دل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء. قال: الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه وأحمد.
فقد دل هذا الحديث على أن الأجر والوزر يثبتان بالهم والعزم، أما بمجرد الفكر فلا يثبت هذا ولا ذاك، لكننا ننبه السائلة إلى أن الاسترسال مع الأفكار السيئة يؤدي في الغالب إلى العزم عليها المؤدي بدوره إلى فعلها، وأقل ما في الأمر أنه يؤدي إلى ضياع الوقت فيما لا يفيد.
وأما الحكمة (على الإطلاق) فالمقصود بها أن الحديث المذكور أعلاه، مقيد بما ذكرناه سابقاً، من المؤاخذة بالفكر عند التمادي فيه، والعزم عليه، وراجع لمزيد فائدة، هاتين الفتويين: 12400، 12544.
والله أعلم.