الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:
فالمماكسة في البيع -وهي استنقاص الثمن عما طلبه البائع والزيادة عما طلبه المشتري- جائزة، لا حرج فيها، فقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث المتفق عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لجابر -رضي الله عنه-: أتراني إنما ماكسْتُك لآخذَ جملَك؟ خذْ جملَك ودراهِمَك.
يقول ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم: من فوائد هذا الحديث: جواز المماكسة ... يعني مثلًا: طلبت كتابًا، فقال لك البائع: هذا بعشرة، فقلت: لا، أعطنيه بثمانية، قال: لا، بتسعة، قال: لا. هذا جائز، ولا يُعد دناءة، ولا يُعدّ من سؤال المال؛ لأن المال الذي أريد أن أبذله الآن له عوض، فالمحاطّة هذه يعني المماكسة، لا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بنفسه.
فإن قال قائل: أيهما أورع: أن يماكس الإنسان أم يقول: خذ وأعطني؟
فالجواب: في هذا تفصيل، إذا كنت تعلم أن البائع صادق، وأنه لم يزد عليك، وأن هذه القيمة، فالمروءة ترك المماكسة ...
وإذا خفت أن يكون قد زاد في الثمن، فماكس؛ فإن المماكسة حينئذٍ من الحزم؛ لئلا تكون مغلوبًا. انتهى.
فالحاصل؛ أنه لا حرج في المماكسة في البيع بصفة متّزنة، حين يقصد الإنسان منها أن يدفع عن نفسه الغبن، واستغفال التجّار له، وجشعهم.
ولا منافاة بين هذه المماكسة وبين ما ندب له الشرع من المسامحة في البيع والشراء، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاحَةِ: تَرْكُ الْمُضَاجَرَةِ، وَنَحْوِهَا، لَا الْمُكَايَسَةِ فِي ذَلِكَ. انتهى. والمكايسة هي: المماكسة.
والله أعلم.