الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي البداية نحب التنبيه أن مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية يتبع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.
وأما عن جواب سؤالكم فيمكن توضيحه كما يلي:
المضاربة هي: أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه, على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه، فيكون صاحب المال مشاركاً بماله، والمضارب بعمله، وأهم الشروط الشرعية لعقد المضاربة ما يلي:
أولا: يشترط في الربح أن تكون كيفية توزيعه معلومة علما نافيا للجهالة ومانعا للمنازعة متفقا عليه في البداية، لأن المعقود عليه هو الربح، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد، وأن يكون ذلك على أساس نسبة مشاعة من الربح لكل من رب المال والمضارب، لا على أساس مبلغ مقطوع أو نسبة من رأس المال، فمثلاً: يتفق الطرفان على أن لأحدهما الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، وليس من رأس المال، ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولاً غير محدد، وليس لأحد منهما أن يشترط لنفسه قدراً معيناً من الربح، لأن المضاربة نوع من الشركة، وهي الشركة في الربح، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح، لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر فلا تتحقق الشركة، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في إعلام الموقعين: فإن مبنى المشاركات على العدل بين الشريكين, فإذا خص أحدهما بربح دون الآخر لم يكن ذلك عدلا, بخلاف ما إذا كان لكل منهما جزء شائع فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم, فإن حصل ربح اشتركا فيه, وإن لم يحصل شيء اشتركا في المغرم, وذهب نفع بدن هذا، كما ذهب نفع مال هذا, ولهذا كانت الوضيعة على المال، لأن ذلك في مقابلة ذهاب نفع المال.
ثانيا: يشترط أن تكون الخسارة على رأس المال، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: والوضيعة في المضاربة على المال خاصة, ليس على العامل منها شيء، لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال, وهو مختص بملك ربه, لا شيء للعامل فيه, فيكون نقصه من ماله دون غيره.
وعليه؛ فإذا كانت الخسارة عند تصفية العمليات أكثر من الربح فيحسم رصيد الخسارة من رأس المال، ولا يتحمل المضارب منه شيئا باعتباره أمينا، ما لم يثبت التعدي أو التقصير، وأما إذا كانت المصروفات على قدر الإيرادات فيتسلم رب المال رأس ماله وليس للمضارب شيء، وينبني على ما سبق: عدم جواز ضمان رأس مال المضاربة، لأن ذلك يخرج المضاربة عن حقيقتها الشرعية، ويدخلها تحت القرض، والقرض إذا شرط فيه ربح أو فائدة كان قرضاً ربوياً محرماً، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: متى شرط على المضارب ضمان المال, أو سهما من الوضيعة, فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم:30ـ 5ـ 4ـ بشأن: سندات المقارضة وسندات الاستثمار: لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال.
ثالثا: يشترط في رأس مال المضاربة أن يكون معلوما للعاقدين، قدرا وصفة وجنسا، علما ترتفع به الجهالة ويدرأ النزاع، وأن يكون عينا، فلا تجوز المضاربة على ما في الذمة، بمعنى أن لا يكون رأس المال دينا، فإن كان دينا لم تصح، وأن يكون رأس مال المضاربة نقدا، وهناك رواية عن بعض أهل العلم أنه لا بأس بأن تكون المضاربة على عروض، إذا قومت بالنقد، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 72823.
رابعا: يشترط عند جماهير الفقهاء لصحة المضاربة أن يكون العامل مطلق التصرف في رأس مال المضاربة، ومستقلا باليد عليه، وأن لا يضيق رب المال على العامل في عمله، ومن ذلك ألا تكون مدة المضاربة محددة بزمن عند جمهور الفقهاء. والذي يترجح هو مذهب الإمام أبي حنيفة والحنابلة في إحدى الروايتين عندهم في جواز ذلك، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 10670 .
ولمزيد من التفاصيل حول هذه الشروط يمكنك الرجوع إلى الموسوعة الفقهية الكويتية في مصطلح ـ مضاربة ـ كما يمكنك الرجوع إلى الفتاوى التالية أرقامها لمزيد من الفائدة: 1873، 5480، 63918، 72143، 72779، 158449.
والله أعلم.