التوراة والإنجيل...حقيقة تحريفهما..القراءة فيهما
9-8-2002 | إسلام ويب
السؤال:
فضيلة الشيخ أحييك بتحية الإسلام فسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد أريد أن أحصل على كتاب إنجيل أو توراة غير محرف فمن أين أحصل عليه وإن حصلت عليه هل يجوز نشره في أحد وسائل الإعلام ؟
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوارة والإنجيل اللتان نزلتا من عند الله تعالى هما كلام الله تعالى ولا شك ولا ريب في صدقهما، إلا أن اليهود والنصارى لعنهم الله تعالى حرفوهما وبدلوهما وزادوا فيهما ونقصوا، وجعلوا كل واحدة منهما عدة نسخ يناقض بعضها بعضاً ويكذب بعضها بعضاً. وبهذا يكون قد اختلط الحق فيهما بالباطل، ولا يمكن تمييزه إلا عن طريق شرعنا المحفوظ عن التبديل والتحريف بنص قول الله تعالى:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
وفي الاقتصار عليه غنية عن غيره، لأن الله يقول عنه:مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب!! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوهم به، أو بباطل فتصدقوا. والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني. رواه أحمد وغيره، قال الحافظ ابن حجر بعد ذكر طرق هذا الحديث: وهذه جميع طرق هذا الحديث، وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً.
ودل هذا الحديث وغيره على أن شريعتنا كاملة وافية محفوظة نقية عن كل تحريف أو تبديل، ولذا لا ينبغي الانشغال بغيرها من الكتب الأولى لما فيها من اختلاط الحق بالباطل، ولأن ما فيها من حق لم يبدل محكوم عليه بالقرآن فهو مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه.
ويدل على تحريف التوراة والإنجيل أدلة كثيرة منها:
1- اختلاف ما فيهما وتناقضه.. ولو كانت كما نزلت من عند الله ما كان فيها شيء من ذلك، لقول الله تعالى:أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
2- قوله تعالى:مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النسا:46].
3- ما فيهما من الكذب الصراح، كقولهم: إن لوطاً عليه السلام بعد هلاك قومه وقع على ابنتيه بعد أن سقتاه خمراً.
4- ما نقله ابن حجر في الفتح عن ابن حزم رحمه الله وهو قوله: وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون أن التوراة والإنجيل اللتين بأيدي اليهود والنصارى محرفتان، والحامل لهم على ذلك قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة، وقد اشتملا على أنهم:يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه [النساء:46]. و :وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75]. و :وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:78]. و :لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71].
ويقال لهؤلاء المنكرين: قد قال الله تعالى في صفة الصحابة:ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه [الفتح:29].
وليس بأيدي اليهود والنصارى شيء من هذا. ويقال لمن ادعى أن نقلهم نقل متواتر: قد اتفقوا على أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتابين، فإن صدقتموهم فيما بأيديهم لكونه نقل نقل المتواتر فصدقوهم فيما زعموه أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وإلا فلا يجوز تصديق بعضٍ وتكذيب بعض مع مجيئهما مجيئاً واحداً. انتهى.
وعلى كل حال فالتوراة والإنجيل محرفتان باتفاق العلماء؛ إلا أنهم اختلفوا في المقصود بالتحريف على أربعة أقوال. قال الحافظ في الفتح: وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف في هذه المسألة على أقوال:
أحدها: أنها بدلت كلها وهو مقتضى القول الممكن بجواز الامتهان وهو إفراط، وينبغي حمل إطلاق من أطلقه على الأكثر، وإلا فهي مكابرة. والآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء لم تبدل.. من ذلك قوله تعالى:الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيل [الأعراف:157].
ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم، ويؤيده قوله تعالى:قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93].
ثانيها: أن التبديل وقع ولكن في معظمهما وأدلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه.
ثالثها: وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح.
رابعها: أنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ، وهو المذكور هنا -أي في كلام البخاري- وقد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجرداً فأجاب في فتاويه: أن للعلماء في ذلك قولين، واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها: قوله تعالى:وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]. وهو معارض بقوله:فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ [البقرة:181].
والقول بأن التوراة حرفت معانيها دون ألفاظها قد نسب إلى وهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة. ونسب أيضاً لابن عباس ترجمان القرآن، وهو اختيار الإمام البخاري -رحمه الله-
والصحيح أنها حرفت في ألفاظها ومعانيها، قال البدر الزركشي يرحمه الله: اعتبر بعض المتأخرين بهذا -يعني بما قال البخاري- فقال: إن في تحريف التوراة خلافاً هل هو في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط؟ ومال إلى الثاني ورأى جواز مطالعتها. وهو قول باطل، ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا، والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالإجماع. وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال: لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي. ولولا أنه معصية ما غضب فيه.
وعلى هذا فلا تجوز القراءة فيها ولا نشرها ولا توزيعها؛ إلا للعالم الراسخ في العلم والإيمان فتجوز القراءة فيها لبيان بطلانها وللرد على المخالفين.
قال ابن حجر : ويدل على ذلك نقل الأئمة قديماً وحديثاً من التوراة، وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم. ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه. انتهى
تنبيه: قول ابن حزم: إن ما بأيديهم من التوراة والإنجيل ليس فيه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم.. لعله يقصد به ما اطلع هو عليه، وإلا فإن فيه له ذكرا وقد تقدم عندك بعض ما يفيد ذلك. وقد عثر بعض الباحثين منهم على نسخ كانوا يتكتمون عليها، فكانت سببا في هداية بعض الرهبان والقساوسة.
والله أعلم.