الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {النور: 11ـ20}.
كُلُّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ حِينَ رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ الْبَحْتِ وَالْفِرْيَةِ الَّتِي غَارَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا وَلِنَبِيِّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله.
وقد حكى صديق خان القِنَّوجي في تفسيره فتح البيان في مقاصد القرآن الإجماع على أن هذه الآيات نزلت في قصة الإفك وتبرئة عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقال رحمه الله: وأجمع المسلمون على أنّ المراد بما في الآية ما وقع من الإفك على عائشة أم المؤمنين، وإنما وصفه الله بأنه إفك، لأن المعروف من حالها ـ رضي الله عنها ـ خلاف ذلك. انتهى.
فمن طعن في عائشة ـ رضي الله عنها ـ المطهرة الصديقة بنت الصديق بما برأها الله منه فقد كفر كفرا أكبر مخرجا من الملة، ولا ينفعه تأويل الآية بما ذكر ولا يعذر بتأويله، بل هذا التأويل يزيده ضلالا إلى ضلاله حيث خالف إجماع المسلمين، وهذا التأويل على بطلانه لا يسوغ له أن يطعن في أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقد قال الله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {النور:26}.
وليس تأويله هذا كتأويل بعض آيات الصفات التي لا يكفر المحرف بتأويلها، وذلك لوجود شبهة في ذلك التأويل التي يستند عليها بعض أهل البدع كإطلاقات اللغة في كلام العرب، وأما هذا الأفاك فليس له أية شبهة من لغة أو آية أو حديث حتى يقدم عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأما من سب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: فقال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف ـ وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم، فروي عن مالك: من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن، لأن الله تعالى قال: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ـ وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل بن إسحاق: أتى المأمون بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة والآخر عائشة فأمر بقتل الذي شتم فاطمة وترك الآخر، فقال إسماعيل: ما حكمهما إلا أن يقتلا، لأن الذي شتم عائشة رد القرآن، وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم من أهل البيت وغيرهم ـ قال أبو السائب القاضي: كنت يوما بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطبرستان وكان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويوجه في كل سنة بعشرين ألف دينار إلى مدينة السلام يفرق على سائر ولد الصحابة وكان بحضرته رجل ذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له: العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ـ فإن كانت عائشة خبيثة، فالنبي خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه ـ فضربوا عنقه وأنا حاضر، رواه اللالكائي. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 70466 ، ورقم: 145841.
والله أعلم.