الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تفرق بين القدر والمقدور، فالقدر أزلي، والمقدور الذي هو ما يخلقه الله تعالى وفق قدره السابق حادث متجدد وحاشا أن تكون مخلوقاته أزلية، يقول الأشقر في القضاء والقدر: والقدر في الاصطلاح: ما سبق به العلم، وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد، وأنه عز وجل قدر مقادير الخلائق، وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدر لها ـ وقال ابن حجر في تعريفه: المراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته ـ ونقل السفاريني عن الأشعرية: أن القدر إيجاد الله تعالى الأشياء على قدر مخصوص، وتقدير معين في ذواتها وأحوالها طبق ما سبق به العلم وجرى به القلم ـ وهذه التعريفات متقاربة فيما بينها، وهي تفيد أن القدر يشمل أمرين:
الأول: علم الله الأزلي الذي حكم فيه بوجود ما شاء أن يوجده، وحدد صفات المخلوقات التي يريد إيجادها، وقد كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ بكلماته، فالأرض والسماء أحجامهما وأبعادهما وطريقة تكوينهما وما بينهما وما فيهما كل ذلك مدون علمه في اللوح المحفوظ تدوينا دقيقا وافيا.
والثاني: إيجاد ما قدر الله إيجاده على النحو الذي سبق علمه وجرى به قلمه، فيأتي الواقع المشهود مطابقا للعلم السابق المكتوب.
والله أعلم.