الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محل التكفير باستحلال المعاصي، هو إذا كان المحرم مجمعا على تحريمه إجماعا قطعيا، وظهر حكمه بين المسلمين. وسبب التكفير بذلك: أن استحلال المحرم فيه تكذيب للشرع، ورد لحكمه.
وشرط التكفير بذلك ألا تكون هناك شبهة، فإن وجدت شبهة فلا يكفر صاحبها.
قال ابن قدامة: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه؛ للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير، والزنا، وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه، كفر. وإن استحل قتل المعصومين، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل، فكذلك. وإن كان بتأويل كالخوارج، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا. وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد، ولم يكفره، وكذلك أبو جندل بن سهيل، وجماعة معه شربوا الخمر بالشام مستحلين لها، مستدلين بقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا. {المائدة: 93 }. فلم يكفروا، وعرفوا تحريمها، فتابوا، وأقيم عليهم الحد، فيخرج فيمن كان مثلهم حكمهم، وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله، لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحله بعد ذلك. اهـ.
وقال ابن تيمية: فإن كثيرا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها، وغيرهم لم يعرفها، وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات، ووجوب الواجبات الظاهرة. ثم لو أنكرها الرجل بجهل، وتأويل، لم يكفر حتى تقام عليه الحجة، كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة، ورأوا أنها حلال لهم؛ ولم تكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم، فتابوا ورجعوا. اهـ.
ومن الشبهة التي تمنع التكفير: ظن الشخص أن بعض الأحوال تندرج تحت الضرورة التي يباح فيها المحرم، وليست كذلك.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 171471
والله أعلم.