الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل ما خلق الخلق إلا لعبادته وطاعته، وأساس العبودية لله هو معرفته عز وجل، والعلم به سبحانه، وعلى قدر العلم بالله تكون العبودية له، والعلم بالله هو أشرف العلوم وأجلها، وأعظم طريق للعلم بالله هو معرفة أسمائه، وصفاته؛ لذا كثر في القرآن والسنة ذكر أسماء الله وصفاته.
قال ابن تيمية: والقرآن فيه من ذكر أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، أكثر مما فيه من ذكر الأكل، والشرب، والنكاح في الجنة. والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته، أعظم قدراً من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك. كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأبي بن كعب: أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ، فضرب بيده في صدره، وقال ليهنك العلم أبا المنذر» . وأفضل سورة سورة الفاتحة - وهي أم القرآن-، كما ثبت ذلك في «حديث أبي سعيد بن المعلى في الصحيح، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لم ينزل في التوراة، ولا الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته» وفيها من ذكر أسماء الله وصفاته أعظم مما فيها من ذكر المعاد. وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أن «: {قل هو الله أحد} تعدل ثلثي القرآن» .اهـ.
وقال ابن القيم: فإن القرآن بل الكتب المنزلة مملوءة بذكر الفوقية، وعلو الله على عرشه، وأنه تكلم، ويتكلم، وأنه موصوف الصفات، وأن له أفعالا تقوم به هو بها فاعل، وأنه يرى بالأبصار إلى غير ذلك من نصوص الصفات التي إذا قيس إليها نصوص حشر هذه الأجساد، وخراب هذا العالم وإعدامه، وإنشاء عالم آخر، وجدت نصوص الصفات أضعاف أضعافها .اهـ.
وقال ابن القيم: وهذا القرآن المجيد عمدته ومقصوده الإخبار عن صفات الرب سبحانه، وأسمائه، وأفعاله، وأنواع حمده، والثناء عليه، والإنباء عن عظمته، وعزته، وحكمته، وأنواع صنعه، والتقدم إلى عباده بأمره ونهيه على ألسنة رسله .اهـ
وأساس دعوة الأنبياء هو تعريف الخلق بربهم بذكر أسمائه، وصفاته، وأفعاله سبحانه.
قال ابن القيم: فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، معرفة الله سبحانه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان:
أحدهما: تعريف الطريق الموصلة إليه، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه.
الثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد، وقرة العين التي لا تنقطع.
وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ومبنيان عليه، فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه. اهـ.
وانظر للفائدة في ثمار وفوائد معرفة أسماء الله الحسنى الفتوى رقم: 31970.
والله أعلم.