الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبداء كما عرفه
الجرجاني :
ظهور الشيء بعد أن لم يكن. وقال
الشهرستاني في الملل والنحل:
والبداء له معان:
1- البداء في العلم، وهو أن يظهر له خلاف ما علم، ولا أظن عاقلاً يعتقد هذا الاعتقاد.
2- والبداء في الإرادة، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم.
3- والبداء في الأمر، وهو أن يأمر بشيء ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك. انتهى
قلنا: فأما البداء بالمعنى الأول والثاني، فهما باطلان قطعاً، وأما البداء بالمعنى الثالث، فهو صحيح، وهو ما يسمى في الشريعة بالنسخ، بأن يقضي الله حكماً، ثم ينزل الله عز وجل حكماً بعده متراخياً عن الحكم الأول، وقد مضى بيان معنى النسخ بأنواعه في الفتوى رقم:
19405 والفتوى رقم:
20781.
واعلم أن توراة اليهود المحرفة احتوت على البداء بمعنييه الباطلين في مواضع كثيرة، حيث يصورون الله تعالى بأنه فعل أفعالاً، ثم ندم عليها، مع أن اليهود في الأصل ينكرون البداء على الله تعالى ليطعنوا به في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ يقولون: إن نبوته تقتضي نسخ ما كان قبله باتفاق منكم، لكن النسخ محال لأنه يدل على الجهل أو البداء، وكلاهما محال على الله تعالى، فوقعوا في التناقض بين أقوالهم وتوراتهم.
قال صاحب كتاب الفصل في الملل:
وفي توراتهم البداء الذي هو أشد من النسخ، وذلك أن فيها أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: سأهلك هذه الأمة، وأقدمك على أمة أخرى عظيمة، فلم يزل موسى يرغب إلى الله تعالى، في أن لا يفعل ذلك، حتى أجابه فأمسك عنهم، وهذا هو البداء بعينه. انتهى
وممن قال بالبداء من الفرق الإسلامية، الكيسانية، أتباع
المختار بن أبي عبيد الثقفي المدعي للنبوءة، وطائفة البدائية، وغيرهم. وكان
المختار ابن أبي عبيد يخبر أصحابه أنهم سينتصرون في المعارك، فإذا هزموا، قال لهم: بدا لله أمر آخر، بعد أن قضى بنصركم، أو نحواً من هذا، وهذه عقيدة خبيثة باطلة كما قدمنا.
والله أعلم.