الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من علم من دين الله شيئاً، فإنه يجب عليه أن يعلمه لكل من كان ذا حاجة إليه في صحة عبادته وأدائها على الوجه المشروع، ومثل ذلك ما يحتاج إليه من النهي عن المنكر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم وكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة وغيره.
وقوله عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة. رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم عن أبي سعيد.
وقول جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وبلغوا: أمر، والأمر محمول على الوجوب ما لم يرد ما يصرفه إلى الندب، وهذا الوجوب فيما يتعلق بالأمر بالواجبات المتفق على وجوبها والمنهيات المتفق على تحريمها، فمن احتاج لتعلمها حرم كتمها عنه، وأما المستحبات كالشرب باليمين فلا يجب فيها ذلك، وإنما يستحب، فقد جاء في عون المعبود في شرح حديث: من سئل عن علم فكتمه.... قال: وهذا في العلم الذي يتعين عليه فرضه كمن رأى كافراً يريد الإسلام يقول علموني الإسلام، وما الدين؟ وكيف أصلي؟ وكمن جاء مستفتياً في حلال أو حرام.... وليس الأمر كذلك في نوافل العلم. اهـ.
وقال صاحب الكفاف:
تنبيه غافل لما لو انتبه لزمه من الأمور الواجبه.
وقيد هذا الوجوب بعض العلماء بظن الإفادة والأمن على الناصح، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: وأما الفقهاء فحكم الإرشاد عندهم ـ أي إرشاد الناس إلى الخير ودلالتهم عليه ونصحهم ـ هو الوجوب، وذلك عملا بقوله تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ـ الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة ـ على أن يكون الإرشاد بالرفق والقول اللين، لأنه أقرب إلى القبول، ومحل الوجوب إذا ظن الفائدة، ولم يخف على نفسه، أو ماله، أو غيره. اهـ.
وجاء فيها أيضا: ذهب الفقهاء إلى أن النصيحة تجب للمسلمين، قال ابن حجر الهيتمي: يتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم، وقال الراغب الأصفهاني: عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر النصح فقال: الدين النصيحة ـ فبين عليه الصلاة والسلام أن النصح واجب لكافة الناس بأن تتحرى مصلحتهم في جميع أمورهم، وقال المالكية: النصيحة فرض عين سواء طلبت أو لم تطلب إذا ظن الإفادة، لأنه من باب الأمر بالمعروف، ونقل النووي عن ابن بطال أن النصيحة فرض كفاية يجزي فيه من قام به ويسقط عن الباقين، وهي لازمة على قدر الحاجة أو الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة، وقال غيرهم: إن ظاهر حديث: الدين النصيحة ـ وجوب النصح وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح، ولا يسقط التكليف بالنصيحة عن المسلم مادام صحيح العقل، قال ابن رجب: قد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنه النصح لله، فلو كان من المرض بحال لا يمكنه عمل بشيء من جوارحه بلسان ولا غيره غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه، وهو أن يندم على ذنوبه، وينوي إن صح أن يقوم بما افترض الله عليه، ويجتنب ما نهاه عنه، وإلا كان غير ناصح لله بقلبه. اهـ.
وقد سبقت لنا فتاوى في التغلب على الخجل من الدعوة إلى الله وفي بعض الأمور التي تتعلق بالدعوة إلى الله فراجع مثلاً الفتاوى التالية أرقامها: 29823، 28476، 16419، 21651، 30150.
والله أعلم.