الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أن أفضل علاج لوساوس الشيطان التي يلقيها في خاطر العبد أن يُعرض عنها تماما، ويستعيذ بالله تعالى منها، قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف:200}.
وفي الصحيحين من حديث أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ.
فإذا جاءتك تلك الوساوس؛ فاستعذ بالله, واشتغل بما يلهيك عنها.
أما بخصوص سؤالك: هل هناك شيء خارج عن إرادة الله -عز وجل- ومشيئته؟ فجوابه: أنه لا شك أنه لا شيء يقع في هذا الكون إلا بمشيئة الله وإرادته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ يكن، قال الله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {الإنسان:30}، وقال تعالى: .. مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الأنعام:39}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فمشيئة اللّه وحده مستلزمة لكل ما يريده، فما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن، وما سواه لا تستلزم إرادته شيئًا، بل ما أراده لا يكون إلا بأمور خارجة عن مقدوره، إن لم يعنه الرب بها لم يحصل مراده، ونفس إرادته لا تحصل إلا بمشيئة اللّه تعالى، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير : 28، 29] ، وقال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 29: 31]، وقال: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [ المدثر : 55، 56 ]. انتهى
وأما بخصوص سؤالك: هل الله -عز وجل- كان يعلم بظهور اختراعات جديدة، كالتي في عصرنا؟ فجوابه: أنه ما في الكون شيء يقع إلا وهو معلوم لله تعالى، ومكتوب عنده، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن أن لو كان كيف يكون.
فهذه المخترعات الحديثة من السيارات ونحوها؛ علمها الله تعالى قبل أن توجد، وهي مكتوبة عنده في اللوح المحفوظ كسائر ما يقع في الكون، وقد قال تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ {النحل:8}.
قال الشيخ السعدي في تفسيره: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء، التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، فإنه لم يذكرها بأعيانها، لأن الله تعالى لا يذكر في كتابه إلا ما يعرفه العباد، أو يعرفون نظيره، وأما ما ليس له نظير في زمانهم، فإنه لو ذكر لم يعرفوه، ولم يفهموا المراد منه، فيذكر أصلا جامعا يدخل فيه ما يعلمون، وما لا يعلمون، كما ذكر نعيم الجنة، وسمى منه ما نعلم، ونشاهد نظيره، كالنخل، والأعناب، والرمان، وأجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان}، فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب؛ كالخيل، والبغال والحمير، والإبل، والسفن، وأجمل الباقي في قوله: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}. انتهى.
وانظر المزيد في الفتوى: 104233. وهي عن إرادة الله تعالى الكونية، وإرادته الشرعية؛ والفتوى: 214762. وهي عن كون علم الله شاملا محيطا بكل شيء، مما وقع، وما سيقع.
والله تعالى أعلم.