الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظاهر حال السائل أنه مقلد لشيخ الإسلام ابن تيمية فيما يسأل عنه، ولذلك سنجيبه على مذهبه ـ رحمه الله تعالى ـ فنقول:
في الحقيقة ما بنيت عليه من كون مذهب شيخ الإسلام في نهاية وقت العشاء هو الفجر ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل: فشيخ الإسلام متابع في ذلك لمذهب الحنابلة في تقسيم وقت العشاء إلى وقت اختيار إلى منتصف الليل، وضرورة إلى الفجر، وأنه يحرم تأخيرها لوقت الضرورة بغير عذر، يدل على ذلك:
1ـ اختياره لمذهبهم، وترجيحه بالسنة كما في مجموع الفتاوى: (ج22 / ص74)
2ـ تقريره لكلام ابن قدامة في عمدة الفقه أثناء شرحه لمواقيت الصلاة، وترجيحه ما ذهب إليه في ذلك، كما في شرح عمدة الفقه/ قسم الصلاة (ص: 177).
3ـ عدم مخالفته لذلك في شيء من اختياراته الفقهية.
وعليه, فلا يجوز تأخير العشاء، أو المغرب والعشاء - في حالة الجمع - إلى وقت الضرورة إلا لعذر.
والعذر المؤثر في حكم الصلاة بالنسبة للوقت عند الحنابلة، وشيخ الإسلام على قسمين:
القسم الأول: هي أعذار الجمع بين الظهرين والعشاءين, كالسفر، والمرض، والمطر, فهذه تجعل الأوقات الخمسة ثلاثة.
والقسم الآخر: أعذار ترفع الإثم عمن أدى الصلاة في وقت الضرورة؛ لعدم إمكانها منه شرعًا، أو حسًا في وقت الاختيار, كالحائض تطهر، والمجنون يفيق.
ولا يصح الخلط بين القسمين، فليس لمن جمع بعذر - كالسفر ونحوه - جمع تأخير، أن يؤخر العشاء عن وقت الاختيار، بل لا بد أن يفرغ منها قبل منتصف الليل, وإلا أثم، وإن وقعت أداء، ما لم يطلع الفجر، نعم إن كان معذورًا بعذر من القسم الآخر - كالنوم - فيكون قد اجتمع في حقه عذران: عذر يبيح الجمع وهو السفر، وعذر يبيح التأخير للضرورة وهو النوم، فتكون صلاته أداء بلا تأثيم.
يدل على ذلك ما ذكره ابن تيمية في شرحه على عمدة الفقه لابن قدامة، فبين المراد بأهل الضرورة قائلًا: إن وقت الضرورة يبقى إلى أن تغيب جميع الشمس، ومعنى ذلك أن أهل الضرورة والعذر الذين لا يمكنهم الصلاة قبل تغير الشمس مثل الحائض تطهر، والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والنائم ينتبه، والصبي يبلغ بعد اصفرار الشمس يصلونها أداء في هذا الوقت من غير إثم، وكذلك الكافر يسلم؛ لأن المنع من صحة الصلاة كان موجودًا فيه وإن كان على الحقيقة ليس بذي عذر، ولكن ألحق بهم؛ لأنه غفر له تأخيرها إذ الإسلام يجب ما قبله.
ـ ثم بين حكمهم فقال: فأما من تمكنه الصلاة قبل هذا الوقت، فلا يجوز له تأخيرها البتة، فإن أخرها وصلاها فهي أداء مع كونه آثمًا.
ثم بيّن أن المريض لا يدخل في أهل العذر للتأخير.
فكل ذلك صريح منه ـ رحمه الله ـ في أن التأخير إلى وقت الضرورة إنما يختص بمن لم يتمكن من الصلاة في وقت الاختيار لمانع شرعي كالحيض، أو حسي كالجنون.
وأما السفر والمرض فلا يمنعان لا شرعًا ولا حسًا, فدل على أن السفر لا يبيح تأخير العشاء إلى وقت الضرورة، وإن أباح جمعها مع المغرب تقديما وتأخيرًا بشروط كلٍ.
والله أعلم