الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرئ قال لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث من الزجر عن تكفير المسلمين عامة ما يكفي المسلم، ويردعه عن تكفير المسلمين أو تضليلهم. ولا شك أن الأمر يزداد خطورة وإثما إذا كان التكفير للدعاة وللعلماء الذين هم حملة الدين، وورثة الأنبياء، إلى غير ذلك من المزايا التي خصهم الله تعالى بها.
فالواجب احترام العلماء والدعاة، وحسن الظن بهم، واعتقاد عدم عصمتهم، وأنهم لا يقلَّدون فيما خالفوا فيه الحق، ولا تترك الاستفادة منهم فيما عندهم من الخير. وإذا اختلفوا في أمر ما، فعلى المسلم أن يسأل الله الهدى للحق فيما اختلف فيه، ويكثر من الدعاء الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في استفتاح قيام الليل كما رواه مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- وهو: اللهم رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
ثم يتحرى الحق، ويبحث، ويسأل العلماء، ويتبع ما ترجح لديه من دون أن يجرح المخطئ ممن كانت نيته صادقة في خدمة الإسلام وأهله.
فقد قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ومن له علم بالشرع والواقع، يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح, وآثار حسنة, وهو من الإسلام وأهله بمكان, قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور, بل ومأجور لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين. اهـ.
وقال الذهبي في السير: ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه، وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه، وبدعناه. لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما ثبت قبحه من البدع، وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه، لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته.. كما قررته في غير هذا الموضع. وقررته أيضاً في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد، فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، هذا في عذاب الآخرة، فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته، وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر، والفسق يدخل في هذه القاعدة، سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية، أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال. فأما حكم الدنيا فكذلك أيضاً، فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقاً بدعوتهم، إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة. انتهى من مجموع الفتاوى.
وراجع نصيحة الشيخ ابن باز للذين يجرحون الدعاة المشهورين، بالفتوى رقم: 18788 وراجع الفتوى رقم:103867.
والله أعلم.