الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالاقتباس معناه كما جاء في الموسوعة الفقهية: تَضْمِينُ الْمُتَكَلِّمِ كَلاَمَهُ - شِعْرًا كَانَ أَوْ نَثْرًا - شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ، عَلَى وَجْهٍ لاَ يَكُونُ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ. اهــ.
وجاء فيها أيضا أنه نوعان:
أَحَدُهُمَا: مَا لَمْ يُنْقَل فِيهِ الْمُقْتَبَسُ ( بِفَتْحِ الْبَاءِ ) عَنْ مَعْنَاهُ الأْصْلِيِّ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِرِ:
قَدْ كَانَ مَا خِفْتُ أَنْ يَكُونَا إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاجِعُونَا
وَهَذَا مِنَ الاِقْتِبَاسِ الَّذِي فِيهِ تَغْيِيرٌ يَسِيرٌ؛ لأِنَّ الآْيَةَ { إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }.
وَالثَّانِي: مَا نُقِل فِيهِ الْمُقْتَبَسُ عَنْ مَعْنَاهُ الأْصْلِيِّ كَقَوْل ابْنِ الرُّومِيِّ:
لَئِنْ أَخْطَأْتُ فِي مَدْحِكَ مَا أَخْطَأْتَ فِي مَنْعِي لَقَدْ أَنْزَلْتُ حَاجَاتِي ( بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ )
فَقَوْلُهُ: { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ }. اقْتِبَاسٌ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَهِيَ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِمَعْنَى " مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ " ، إِذْ لاَ مَاءَ فِيهَا وَلاَ نَبَاتَ، فَنَقَلَهُ الشَّاعِرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ إِلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ ، هُوَ : " لاَ نَفْعَ فِيهِ وَلاَ خَيْرَ " اهــ.
وما ذكرته من تلك المقولات الفاسدة: { وسيق الذين تأخونوا .. إلخ } وقولهم: { اقتلوا الإسلاميين } هو في حقيقته كلام فاسد، وأمر بالمنكر سيق على نسق لفظ القرآن الكريم، واستخدمت معه بعض كلمات من القرآن ولا شك في حرمة هذا, ولو فُرِضَ أنه داخل في حد الاقتباس فإنه من النوع المحرم قطعا, والاقتباس الذي أجازه جمهور الفقهاء ليس من هذا القبيل.
جاء في الموسوعة الفقهية: يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ جَوَازَ الاِقْتِبَاسِ فِي الْجُمْلَةِ إِذَا كَانَ لِمَقَاصِدَ لاَ تَخْرُجُ عَنِ الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ تَحْسِينًا لِلْكَلاَمِ، أَمَّا إِنْ كَانَ كَلاَمًا فَاسِدًا فَلاَ يَجُوزُ الاِقْتِبَاسُ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ كَكَلاَمِ الْمُبْتَدِعَةِ، وَأَهْل الْمُجُونِ وَالْفُحْشِ. اهــ .
والحكم على ذلك العمل بالكفر ليس ببعيد؛ لأن فيه تلاعبا بكلمات من القرآن حيث سيقت في سياق هزلي، وخُلِطَت بكلام فاسد، واستُعمِلَت في منكر, ولكن لا يُتسرعُ في الحكم على قائله بالكفر؛ وانظر الفتوى رقم: 199241 عن تكفير الشخص المعين لوقوعه في مخالفات شرعية أو استهزاء.
وكذا قول ذلك الشخص: " يا أيها العلمانيون ... إلخ " هذا لا يجوز، وإن كان المعنى الذي يريده صحيحا، وهو التبرؤ من العلمانية والتمسك بالشريعة، لكن سياق ذلك الكلام على نسق القرآن الكريم فيه ما فيه من امتهان القرآن، وفتح الباب لسلوك هذا السبيل، وربما أثر على الناشئة والجهلة فظنوه من جملة القرآن. فالواجب الحذر من ذلك والتوبة إلى الله تعالى .
والله تعالى أعلم.