الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل الجنة يتفاضلون بحسب علو درجاتهم في الجنة، ففي الصحيحين، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
وفي الحديث: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة. رواه البخاري. والحديثان يدلان على أن تفاوت المنازل إنما يكون بالعمل، كما قال تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43}، قال القرطبي: ومعنى أورثتموها بما كنتم تعملون، أي: ورثتم منازلها بعملكم. اهـ.
وهكذا ينبغي أن يفهم كلام الطبري - رحمه الله - فهو يقصد بقوله: "على شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه" أي: جزاء بما عملوا في الدنيا، ولا شك أن الله هو الذي تكرم عليهم ابتداء بتوفيقهم للاجتهاد في الصالحات، ثم تكرم عليهم انتهاء بإدخالهم الجنة، فدخول المؤمنين الجنة هو محض فضل من الله تعالى، كما في مسند أحمد وغيره، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما منكم أحد داخل الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه، وفضل.
والله أعلم.