الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالسؤال فيه شيء من الغموض، والذي فهمناه هو أنك تسأل عن عدم الاغتسال من الجنابة بسبب الحياء ممن تسكن معهم, أو بسبب برودة الماء أو قلته, فإن كان هذا هو المراد فنقول: أما ترك الاغتسال بسبب الحياء من الناس، فهذا لا يجوز، والحياء ليس عذرا مبيحا للعدول عن الاغتسال إلى التيمم؛ وانظر الفتوى رقم: 171013.
وفي خصوص برودة الماء فراجع فيها فتوانا رقم: 147331 بعنوان: هل يشرع التيمم لكون برودة المياه مزعجة.
وأما ترك الاغتسال بسبب قلة الماء، فيجوز بشرط أن يتعذر عليك تحصيله فيما يقرب منك من الأماكن, وهذا قد لا يكون متحققا الآن فيمن يسكن في المدن، فإنه ولو كان الماء الذي عنده في البيت لا يكفي، فإنه يمكنه أن يستجلب الماء، فلا يجوز له ترك الاغتسال من الجنابة حينئذ والعدول إلى التيمم. وقد ذكرت أنه يوجد ماء في المنزل الذي بجانبكم فإذا كان الأمر كذلك، فإنه يجب عليك طلبه منهم إذا كنت تتوقع إعطاءه ولو توهما.
قال الدردير المالكي: ( و ) لزم ( طلبه ) أي الماء ( لكل صلاة ) إن علم وجوده في ذلك المكان، أو ظنه، أو شك فيه بل ( وإن توهمه ) أي توهم وجوده، ورجح ابن مرزوق القول بعدم لزوم الطلب حال توهم الوجود؛ لأنه ظان العدم، والظن في الشرعيات معمول به ( لا ) إن تحقق عدمه فلا يلزمه طلبه، وحيث لزمه طلبه فيطلب ( طلبا لا يشق به ) بالفعل... ( إن جهل بخلهم به ) بأن اعتقد أو ظن، أو شك أو توهم إعطاءهم، فإن لم يطلب وتيمم في المسألتين أعاد أبدا إن اعتقد أو ظن الإعطاء، وفي الوقت إن شك, وإن توهمه لم يعد، وهذا إن تبين وجود الماء أو لم يتبين شيء، فإن تبين عدمه فلا إعادة مطلقا. ومفهوم جهل بخلهم أنه لو تحقق بخلهم لم يلزمه طلب. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 157099 فيمن لم يجد ماء في مكانه فتيمم وصلى, والفتوى رقم: 148939، والفتوى رقم: 205369 عن شروط جواز التيمم بدل غسل الجنابة.
ومن تعذر عليه حقيقة تحصيل الماء، وكان ما عنده لا يكفي لغسل كل البدن، فإنه يتيمم في قول أكثر الفقهاء, وذهب بعضهم إلى أنه يغتسل بما عنده، فإذا انتهى فإنه يتيمم عن بقية البدن الذي لم يغسله.
جاء في الموسوعة الفقهية: وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَاءِ إِلاَّ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ. فَذَهَبَ الأْحْنَافُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَتْرُكُ الْمَاءَ الَّذِي لاَ يَكْفِي إِلاَّ لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ وَيَتَيَمَّمُ ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .... اهــ.
والله تعالى أعلم.