الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دعوة غير المسلمين لها كثير من الطرق، منها ما يكون بالتعامل وحسن الخلق وطيب الكلام، فإن في ذلك أثراً كبيراً قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ {آل عمران:159}. وقال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {العنكبوت:46}. وقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
ومنها ما يكون بإهداء الكتب الموثوقة التي تدعو أهل تلك اللغة إلى الإسلام وتعرفهم به، ومنها مشافهتهم فيما لا يحتاج إلى كثير علمٍ ورسوخ فيه، وإنما يكفي فيه ما يعرفه المسلم من عقيدته في الجملة وما يدعو إليه الإسلام من الإيمان والفرائض ومكارم الأخلاق ونبذ الخبائث، ومن هذا النوع الدعوة بالمشافهة والتعريف بالدين لعوام أصحاب تلك المِلل ممن لا يكون عندهم جدال ومعارضات، ومنها ما لا يكون إلا مع علم غزير ورسوخ في الاعتقاد، وهذا يكون للعلماء وطلاب العلم إذا كان الجدل مع متكلمي تلك الديانات ودعاتهم وعلمائهم، لما قد يثيرونه من شبه واعتراضات تحتاج في ردها إلى متانة في العلم، حتى تقام الحجة عليهم، فضلاً عن ألا تظهر حجتهم على المسلم، كما قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في الرد على الجهمية لما حكى مناظرة الجهم بن صفوان لطائفة من مشركي الهند: فلقي أناسًا من المشركين يقال لهم: السُّمَنية، فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلِّمك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، فناظروه فقامت حجتهم الداحضة الباطلة عليه بسبب جهله، قال الإمام أحمد: فتحير الجهم فلم يدرِ من يعبد أربعين يومًا، ثم إنه استدرك حجةً مِثلَ حجة زنادقة النصارى.... انتهى.
وهذا يحتاج إلى ترسيخ العقيدة الصحيحة أولاً بدراسة كتب الاعتقاد الصحيح من الكتاب والسنة، قال الله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108}.
ثم يحتاج إلى فهم عقائد أولئك المخاطبين ومداخلِها، وكيفية الرد عليها، وتحصيل ذلك يكون من خلال كتب أهل العلم التي عُنيت بالرد عليهم، ومنها ـ مثلاً ـ في الرد على اليهود والنصارى: كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وهو من أعظم ما كُتب في الرد على أهل الكتاب, وكذلك كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ـ لتلميذه ابن القيم، وهو أشبهُ بكونه مختصراً من كتاب شيخه، مشى فيه على طريقته ونقل منه كثيراً، وننصح بالثاني بدايةً لكونه أقصر مع كون الأول أحوج إلى زيادة اختصاص في علم الأصول والأديان، وكذلك كتب دلائل النبوة، ككتاب: دلائل النبوة ـ للبيهقي، وكتب لبعض الباحثين المعاصرين المختصين في حوار الأديان، وقد جمع الله تعالى ما يكون به دعوة أهل الملل في قوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}. والله أعلم.