الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمور المذكورة في السؤال من إنقاص الوزن والتطيب والتنظف ونحوها من أمور العادات إذا فعلها الإنسان وقصد من ورائها منفعة دنيوية، فلا إثم عليه في ذلك، ولكن لا يثاب عليها إلا إن نوى بها التقرب إلى الله كالتقوي على طاعة الله تعالى ونحوها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك. وقوله صلى الله عليه وسلم:.. فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
وقول معاذ رضي الله عنه: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي. وفي رواية: أحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي.
وقد فرق بعض أهل العلم بين الأعمال القاصرة والأعمال المتعدية، من حيث حصول الثواب، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن الإنسان إذا لم يقلب المباحات إلى عبادات، هل ينال الأجر؟ فأجاب: إذا فعل المباح ولم ينوِ أنه عبادة فليس فيه أجر، إلا إذا كان فيه نفع متعدٍ، مثل: أن يطعم الإنسان أهله الذين تجب عليه نفقتهم فيطعمهم، فهنا قد لا يستحضر النية ويكون له الأجر، وكذلك إن زرع حباً أو غرس نخلاً فأصاب منه طير أو دابة أو إنسان فإنه يكتب له الأجر. انتهى.
وأما تفسير قوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ـ الآية، فقد بيّنه البغوي ـ رحمه الله ـ في تفسيره فقال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي، قِيلَ: أَرَادَ بِالنُّسُكِ الذَّبِيحَةَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نُسُكِي: حَجِّي، وَقِيلَ: دِينِي، وَمَحْيايَ وَمَماتِي، أَيْ: حَيَاتِي وَوَفَاتِي، لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَيْ: هُوَ يُحْيِينِي وَيُمِيتُنِي، وَقِيلَ: مَحْيَايَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَمَاتِي إِذَا مِتُّ عَلَى الْإِيمَانِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ: طَاعَتِي فِي حَيَاتِي لِلَّهِ وَجَزَائِي بَعْدَ مَمَاتِي مِنَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. انتهى.
فليس في الآية ما يدل على وجوب نية التقرب لله في كل عمل يفعله المرء، وإنما تجب في العبادات دون العادات، وبهذا تعلم أن استمرارك في إنقاص وزنك لأجل مصلحة دنيوية لا حرج فيه، ولا تكون بذلك مشركا، ولكنك لو أردت وجه الله بكل ما تقوم به كان ذلك أفضل لك وأكثر أجرا، وهذا الموضوع في حد ذاته لا يعتبر وسوسة، إذ إن مجرد جهل المرء بالحكم في هذه المسائل لا يعد وسوسة، وإنما يصير ذلك وسوسة إذا استرسل معها بعد معرفته القيود والضوابط في هذا الباب
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 119669, 24782، 174409.
والله أعلم.