الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يأخذه خادم المطعم ـ السفرجي أو الغرسون ـ من بقشيش فيه تفصيل:
1ـ فما أخذه إكراما وإحسانا من الزبون، وليس في مقابل عمله، فهذا يملكه ملكا خالصا، وليس لصاحب المطعم أن ينازعه في شيء منه، لأن الغالب على أصحاب المهن ضعيفة الدخل جدا كعمال النظافة ومثلهم خدم المطاعم ـ السفرجية والغرسون ـ أنهم من الفقراء وأن ما يعطونه غالبا إنما هو من باب الإشفاق والإرفاق والتشجيع والصدقة لا من باب المحاباة والرشوة، لأنه لا تنفّذ لهم في مصالح أعمالهم، ويؤكد ذلك أن ما يعطونه ما هو إلا مبلغ بخس جدا قد لا يعدل ثمن فنجان القهوة غالبا، وهذا ما جعل عددا من الفقهاء المعاصرين يرون أن باب هذا باب الإرفاق والإحسان والمعروف وليس من باب الرشوة والغلول، فقد أفتى الشيخ ابن باز بجواز هدية ساعي البريد ـ مجموع الفتاوى :9ـ 408 ـ ونصها: السائل: أنا موظف بريد عندما أسلم مظروف البريد أو الحوالة لصاحبها يعطيني بعض النقود، فهل تعتبر هذه هدية يحق لي أخذها؟ أم تعتبر رشوة؟ الشيخ ابن باز: لا أعلم حرجا في ذلك، لأن هذا العمل داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفا فكافئوه ـ 2ـ الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: كل معروف صدقة ـ 3ـ رواه البخاري في الصحيح، ولا شك أن هذه المساعدة تشجع موظف البريد على إيصال المعاملات إلى أهلها في أسرع وقت ممكن، وفق الله الجميع.
وكذلك أفتى الدكتور محمد البهي بجواز البقشيش استحسانا لصنيع الخادم، وكذلك العلامة عبد الرحمن البراك ما لم تكن محاباة أو رشوة، بل أفتت دار الإفتاء المصرية رقم مسلسل 492بحرمة تسلط صاحب المطعم على البقشيش والمقصود أنه ليس كل ما يأخذه العامل يكون رشوة وغلولا ولابد، فقد أفتينا سابقا بجواز ما يأخذه موظف الاستقبال من نزلاء الفندق لغير ما يجب عليه فعله ما لم يمنعه مسئوله من ذلك، كما في الفتوى رقم: 12640.
وكذلك قرى الضيافة المقدم للموظفين من عملاء شركاتهم لا يعتبر من الغلول، كما بيناه في الفتوى رقم: 120835.
خاصة وأنه مع جريان العرف العام بذلك لم يعد الأمر خفيا على أرباب المطاعم والفنادق ما يأخذه عمالهم من بقشيش، وهم الذين أخذوا نصيبهم من الثمن موفورا من العملاء، فإذا كان الأمر كذلك فما يعطاه خادم المطعم من العملاء هبة أو صدقة فإنه يمتلكه بمجرد قبضه كسائر ماله، ملكا خالصا، ليس لغيره فيه نصيب، فما هو بسرقة ولا يتعين عليه إعلام صاحب المطعم بما أخذه، وعلى صاحب المطعم إن أخذ منه شيئا أن يرده عليه، فليس الخادم رقيقا له فيكون ماله لسيده.
2ـ وما كان من البقشيش لقاء ما يلزم العامل فعله، لم يجز له أخذه، لأن منافعه مملوكة لصاحب المطعم، فليس له أن يعاوض عليها سواه، ولأن هذا عندها يدخل في باب المحاباة للمعطي، ويترتب عليه التقصير في واجب العامل مع بقية العملاء الذين لا ـ يبقششونه؟ وهذا من الخيانة والرشوة، وانظر للمزيد في تقرير حرمة هدايا العمال الفتوى رقم: 43444.
3ـ وكذلك إذا أعطيه النادل عن طلب منه، فهذا يدخل في أحكام المسألة والأصل حرمة المسألة إلا للمحتاجين، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 172129.
ولصاحب المطعم أن يمنع عماله من سؤال الزبائن حفاظا على سمعة مطعمه.
4ـ إذا كان البقشيش من النوع الثاني واشترط صاحب المطعم على العامل عند بدء العمل معه ألا يأخذ البقشيش لنفسه فليس له أخذه، لأنه ما جاءه إلا لمّا عمل في مطعمه، والمسلمون على شروطهم، ولأن له أن يمنعه من الأخذ، وله أن يستحوذ عليه كله، لأن منافع العامل مملوكة له.
والله أعلم.