الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسائلة تستوضح عن معاني عبارات وردت في كلام أهل العلم في ضوابط الغزل المباح، وقد استوقفتها عبارتان:
الأولى : "يجوز التغزل بامرأة غير معينة، إذا لم يكن هناك فحش في القول" ومعناها: أنه يجوز قول الشعر، ونظمه، وكذلك النثر إذا كان موضوعه التغزل بالمرأة، بشرطين:
1ـ أن تكون المرأة التي يتغزل بها غير معينة، وقد أوضح أصحاب الموسوعة الفقهية هذا الشرط بقولهم: وكذا يجوز التشبيب بامرأة غير معينة، ما لم يقل فحشًا، أو ينصب قرينة تدل على التعيين؛ لأن الغرض من ذلك هو تحسين الكلام، وترقيقه، لا تحقيق المذكور، فإن نصب قرينة تدل على التعيين، فهو في حكم التعيين، وليس ذكر اسم امرأة مجهولة - كليلى، وسعاد تعيينًا - لحديث: كعب بن زهير: وإنشاده قصيدته المشهورة: " بانت سعاد" بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ. قال الشربيني في مغني المحتاج: وليس ذكر امرأة مجهولة كليلى تعيينًا.
ويتضح المراد بعدم التعيين بمعرفة ضده، وهو التعيين؛ فإذا نصّ في تغزله بامرأة على اسمها العَلَم ـ كفلانة بنت فلان، أو فلانة من آل فلان ـ الذي تعرف به بين بنات جنسها، أو بذكر ما يحصل به تمييزها بين بنات جنسها من صفاتها الخاصة، أو قرائن الأحوال صارت معينة.
2ـ ألا يشتمل الغزل على كلمات تثير الغرائز الكامنة، وتغري بالفاحشة، كتوصيف مفاتن المرأة من صفات جسدها الباطنة، والظاهرة؛ مما يحرك الشهوة، ففي سنن الترمذي عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء. وفيه أيضًا: عن علقمة عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. والحديثان صححهما الألباني. ولذلك اتفق العلماء على تحريم كل غناء مشتمل على فحش، كما بيناه في الفتوى: 16947.
ـ وأما العبارة الثانية: " امرأة أجنبية غير معينة" ففيها مزيد بيان للشرط الأول المذكور في بيان العبارة الأولى، وتضمنت هذه العبارة قيدين مجتمعين، هما:
1ـ أن تكون المرأة أجنبية، أي: لا تحل له، والمراد هنا كل امرأة غير الزوجة.
2ـ أن تكون المرأة غير معينة، على التفصيل المتقدم في الشرط الأول من بيان العبارة الأولى أعلاه.
والمراد من اجتماع هذين القيدين: بيان جواز تغزل الرجل بزوجته - شعرًا ونثرًا - غير أن ذلك مشروط أن يكون ذلك بينه وبينها، ولا يطلع عليه غيرهما، فإذا أراد نقله ونشره فلا يجوز أن ينشر منه ما يصف فيه جمال زوجته، وما يحرم كشفه، وما يفحش، ففي البخاري قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا. فمن باب أولى عدم جواز وصف الرجل زوجته للسامعين، وقد قال شمس الدين ابن القيم في المدارج: غالب التغزل، والتشبيب إنما هو في الصور المحرمة، ومن أندر النادر تغزل الشاعر وتشبيبه في امرأته، وأمَته، وأُمِّ ولده، مع أن هذا واقع، لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود.
وللمزيد في ضوابط التغزل بالمرأة غير المعينة تنظر الفتوى: 111524.
والله أعلم.