الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبحثك عن مشروعية العمل، والسؤال عنه، ينبغي أن يكون قبل الشروع فيه لا بعده. أما وقد كان ما كان، فتكييف المعاملة الأولى التي تمت بينكما، تعتبر مضاربة؛ لأن رأس المال منه، والعمل منك.
قال الخرقي ذاكرا أنواع الشركات الجائزة: وإن اشترك بدنان بمال أحدهما، أو بدنان بمال غيرهما، أو بدن ومال، أو مالان، وبدن صاحب أحدهما، أو بدنان بماليهما، تساوى المال أو اختلف، فكل ذلك جائز. انتهى.
لكن ضمانك لرأس المال، أو جزء من الخسارة، يفسد عقد المضاربة، وقد ذكرت أن صاحب رأس المال إنما يتحمل نسبة 35% من الخسارة، وإذا فسدت المضاربة فلرب المال جميع المال، وله الربح كله في حالة حصول ربح، وعليه الخسارة كلها في حالة حصولها، وللمضارب أجرة مثله مطلقا.
قال في المغني: الربح جميعه لرب المال؛ لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط، فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئاً، ولكن له أجر مثله.
وقيل له ربح مثله. وراجع للمزيد من التفصيل الفتوى رقم: 47590.
كما تفسد أيضا بالاتفاق على أن يكون لرب المال راتب شهري منها، أو للعامل؛ لأن ذلك يعتبر ربحا مضمونا.
جاء في المغني لابن قدامة وهو من أئمة الحنابلة: ولا يجوز أن يجعل لأحدٍ من الشركاء فضل دراهم، وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة، أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً وعشرة دراهم، بطلت الشركة.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدُهُما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. انتهى.
لكن لو تم الاتفاق على أن لكل منكما نسبة مئوية من الأرباح ليس له غيرها، فلا مانع بعد ذلك أن تتفقا مع ذلك على مبلغ شهري ثابت لأحدكما تحت الحساب من ربحه بحيث تتقاصان عند نهاية الدورة المالية، وقسمة الأرباح. كما بيناه في الفتويين: 50252 ، 80353 وإذا كان هذا هو المقصود في الفقرة الخامسة من السؤال، فلا حرج فيه.
وعلى كل، فمن أهم الشروط الشرعية لعقد المضاربة ما يلي:
أولا: أن يكون لكل من رب المال والمضارب نسبة مشاعة من الربح حسبما يتفقان عليه، وليس لأحد منهما أن يشترط لنفسه قدراً معيناً من الربح. واشتراط راتب للعامل، أو لرب المال أو نحوه، ينافي ذلك. ما عدا الصورة التي ذكرناها وهي: ما لو كان ما يؤخذ كراتب، إنما يؤخذ تحت الحساب من ربح الآخذ، وفق ما بينا.
ثانيا: عدم ضمان رأس مال المضاربة؛ لأنها شراكة بينهما. فرب المال مشارك بماله، والعامل مشارك ـ بمجهوده ـ فإذا حصلت خسارة في رأس المال يتحملها رب المال فقط. كما أن العامل يتحمل خسارة مجهوده.
وهذا فيما إذا لم يحصل من العامل تقصير ولا تفريط، ولا إهمال، ولا إخلال بما اشترطه رب المال من أن لا يسافر بالمال مثلاً، أو أن لا يضارب إلا في كذا، وفي مكان كذا. فإن حصل شيء من ذلك من العامل، ضمن العامل لرب المال الضرر الذي لحقه جراء ذلك.
فإن لم يحصل منه تفريط، ولا تقصير، ولا إهمال، ولا إخلال بما اشترط، فلا ضمان عليه؛ لأنه شريك، كما تقدمت الإشارة إليه؛ ولأن التجارة مبناها على الربح والخسارة.
والله أعلم.