الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن بنا أولا أن نوضح الفرق بين ما يضاف إلى الله من صفاته وما يضاف إليه من أعيان خلقه، فالأول ليس بمخلوق بخلاف الثاني، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المضافات إلى الله نوعان: أعيان وصفات، فالصِّفات إذا أُضيفت إليه، كالعلم والقدرة والكلام والحياة والرِّضا والغضب ونحو ذلك دلَّت الإضافة على أنَّها إضافة وصف له قائم به ليست مخلوقة، لأنَّ الصِّفة لا تقوم بنفسها، فلا بدَّ لها من موصوف تقوم به، فإذا أُضيفت إليه عُلِم أنَّها صفة له، لكن قد يعبَّر باسم الصِّفة عن المفعول بها، فيسمَّى المقدور قدرة، والمخلوق بالكلمة كلاماً، والمعلوم علماً، والمرحوم به رحمة، كقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة... ويُقال للمطر والسَّحاب: هذه قدرة قادر، وهذه قدرة عظيمة، ويُقال في الدُّعاء: غفر الله لك علمه فيك، أي: معلومه، وأما الأعيان إذا أُضيفت إلى الله تعالى، فإمَّا أن تُضاف بالجهة العامَّة التي يشترك فيها المخلوق، مثل كونها مخلوقة ومملوكة له ومقدورة ونحو ذلك، فهذه إضافة عامَّة مشتركة كقوله: هذا خَلْقُ اللهِ ـ وقد يضاف لمعنى يختصُّ بها يميَّز به المضاف عن غيره، مثل: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، وروح الله، فمن المعلوم اختصاص ناقة صالح بما تميَّزت به عن سائر النياق، وكذلك اختصاص الكعبة، واختصاص العبد الصالح الذي عبد الله وأطاع أمره، وكذلك الرُّوح المقدَّسة التي امتازت بما فارقت به غيرها من الأرواح، فإنَّ المخلوقات اشتركت في كونها مخلوقة مملوكة مربوبة لله يجري عليها حكمه وقضاؤه وقدره، وهذه الإضافة لا اختصاص فيها ولا فضيلة للمضاف على غيره، وامتاز بعضها بأنَّ الله يحبُّه ويرضاه ويصطفيه ويقرِّبه إليه ويأمر به أو يعظِّمه ويحبُّه، فهذه الإضافة يختصُّ بها بعض المخلوقات، كإضافة البيت والناقة والرُّوح وعباد الله من هذا الباب.
وبذلك يتبين أن ما يضاف إلى الله من قول أو فعل ليس بمخلوق، وانظر الفتوى رقم: 187287.
ومن ذلك كلمات الله، فهي إما أن تكون بمعنى كلام الله مطلقا أو القرآن أو الأسماء الحسنى وليس شيء من ذلك مخلوق وانظر الفتوى رقم: 72333.
وكذلك سلطان الله، ونصر الله، ونحو ذلك، كما يتضح من القاعدة التي نقلناها من كلام شيخ الإسلام، وعلى ذلك فالاستعاذة بما ورد في السؤال من صفات الله ليس من باب الاستعاذة بالمخلوق.
وأما دعاء صفات الله: فهو شرك، لإشعاره بمباينة الصفة للموصوف واستقلالها عنه، وانظر الفتوى رقم: 208672 وما أحيل عليه فيها.
وقول القائل: يا نصر الله ـ إن كان يقصد دعاء النصر نفسه، فهذا شرك ـ كما ذكرنا ـ وأما إن كان يقصد استنزال النصر من الله، فهذا ليس من باب دعاء الصفة، وعليه يحمل ما رواه يعقوب بن سفيان وابن سعد وصححه ابن حجر العسقلاني عن سعيدِ بنِ المُسيِّبِ عن أبيه قال: فُقِدت الأصواتُ يومَ اليُرموكِ إلَّا صوتَ رجلٍ يقولُ : يا نصرَ اللهِ اقترِبْ، قال: فنظرتُ فإذا هو أبو سفيانَ تحت رايةِ ابنِه يزيدَ.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قول الإنسان: يا رحمة الله ـ يدخل في دعاء الصفة الممنوع؟ فأجاب بقوله: إذا كان مراد الداعي بقوله: يا رحمة الله ـ الاستغاثة برحمة الله تعالى يعني أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله سبحانه وتعالى أن يعمه برحمته كان هذا جائزًا، وهذا هو الظاهر من مراده، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله عز وجل ليجلب لك الرحمة؟ لقال: هذا هو مرادي، أما إن كان مراده دعاء الرحمة نفسها فقد سبق ....
والله أعلم.