الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التفريق أولا بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فالمحبة والمودة من أعمال القلوب، ولا يجوز أن تجعل لكافر. وأما المعاملة الحسنة والبر والعدل والإحسان والأخلاق الصالحة: فهذه من أعمال الجوارح التي تبذل لجميع الخلق على حسب مراتبهم وأحوالهم، قال ابن الوزير في إيثار الحق على الخلق في مسألة الولاء والبراء، والتكفير، والتفسيق، وما يتعلق بذلك: وفي هذا فروع مفيدة، الأول: أن هذا كله في الحب الذي هو في القلب، وخالصة لأجل الدين، وذلك للمؤمنين المتقين بالإجماع، وللمسلمين الموحدين إذا كان لأجل إسلامهم، وتوحيدهم عند أهل السنة، كما يأتي، وأما المخالفة، والمنافعة، وبذل المعروف، وكظم الغيظ، وحسن الخلق، وإكرام الضيف، ونحو ذلك، فيستحب بذله لجميع الخلق، إلا ما كان يقتضي مفسدة، كالذلة، فلا يبذل للعدو في حال الحرب، كما أشارت إليه الآية: لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين. اهـ.
ثم إن أعمال القلوب إذا اختلف موجبها ومتعلقها اختلف حكمها، فمحبة الكافر لملته، أو لصفة دينية فيه، أمر محرم بالإجماع، بخلاف ما إذا اقتصر الأمر على مقتضيات الجبلة، والمحبة الطبيعية غير الدينية، كمحبة الوالد لولده، والقريب لقريبه، والزوج لزوجه، وكالمحبة بسبب المعاملة الحسنة، أو لما يقدمه الكافر من علم، أو نفع للناس ـ فهذه المحبة الطبيعية التي تمليها الجبلية البشرية، والفطرة الإنسانية ـ لا تحرم، إلا أنه يجب أن يصاحبها البغض لهم في الدين والبراءة من كفرهم، وهذا لا يتعارض مع محبة الخير لهم والحرص على هدايتهم والتلطف في دعوتهم للحق وبيانه لهم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 235903، وما أحيل عليه فيها.
وأما مسألة بدء الكافر بالسلام: فهي محل خلاف بين أهل العلم، وقد احتج القائلون بجواز ابتدائهم بالسلام بنحو ما ذكره السائل، كقول الله تعالى حكاية عن إبراهيم لأبيه: سلام عليك ـ وقوله تعالى: فاصفح عنهم وقل سلام {الزخرف:89}.
وقيد هذا بعض أهل العلم بالحاجة والمصلحة، كالجوار والصحبة في السفر، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 17051، ورقم: 6067.
فالمسألة محتملة، وليس فيها إنكار على المخالف، وأما المانعون فاستدلوا بالسنة، فقد ورد في ذلك عدة أحاديث، منها حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام. رواه مسلم.
وحديث أبي عبد الرحمن الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني راكب غدا إلى اليهود، فلا تبدءوهم بالسلام، فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم. رواه ابن ماجه وأحمد، وروى البخاري في الأدب المفرد نحوه من حديث عن أبي بصرة الغفاري، وصححهما الألباني.
وكذلك رد سلام الكافر إذا تحقق المسلم من نطقه بالسلام، اختلف فيه أهل العلم، والأرجح هنا جواز رده بقول: وعليك السلام، قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة: لو تحقق السامع أن الذمي قال له: سلام عليكم، لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام، أو يقتصر على قوله: وعليك ـ فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة: أن يقال له وعليك السلام فإن هذا من باب العدل، والله يأمر بالعدل والإحسان. اهـ.
وقال ابن عثيمين: قال بعض العلماء: إننا إذا علمنا أن غير المسلم سلم على المسلم بلفظٍ صريح فقال: السلام عليك ـ فإنه لا حرج أن نقول: عليك السلام، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين العلة في كوننا نقول في الرد: وعليكم ـ بأنهم كانوا يقولون: السام عليكم. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 21363.
والله أعلم.