الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذا تفصيل الحكم فيما سألتم عنه من مسائل :
1 ـ فيما يتعلق باللحوم التي تباع في المحلات التجارية والأسواق في بلاد أوربا وأمريكا نقول :
ـ إن كون الأصل فيها أنها ذبائح أهل كتاب .. صحيح في الجملة ، لو سلم من المعارض . وما يعارضه هو أنه قد استفاض أن نسبة معتبرة من اللحوم المعروضة في الأسواق هناك تخرج عن حد الندرة ، قد لا تكون ذكيت ذكاة شرعية، وإذا تخلفت الذكاة الشرعية صار حكم ماذبح حكم الميتة، وإن كانت صورته صورة المذكى، لأن قطع الحلقوم والمريء والودجين لم يحصل إلا بعد إزهاق الروح.
وهذا قد عرف بالاستفاضة، وهو في البقر والغنم أكثر منه في الدجاج، لأن الدجاج لايصعق ولا يضرب بمسدس في رأسه ، كما يفعل بالبقر والغنم ، لكنه يمر بمنطقة فيها ماء ساخن ثم يمر بعدها مباشرة بالموس الذي يقطع الرأس ، ويقال إن الذي يموت بالاختناق جراء هذه العملية نسبة ضئيلة جدا، والباقي تدركه الذكاة.. هذا ما بلغنا عن كيفية الذبح في بعض المصانع، وهي صورة من الصور المتبعة فيه. علما بأن الأساليب المتبعة في الذبح في أمريكا أفضل منها في أوربا .
وعليه فإن الاحتياط في لحوم البقر والغنم ينبغي أن يكون أشد منه في الدجاج، لأن احتمال موت البقر والغنم قبل ذبحها أكبر من احتمال موتها بالذبح، كما أفاد ذلك من له بعض اطلاع على مصانع ذبح الأبقار.
فعلى الإخوة الذين يعيشون في تلك البلاد مراعاة مايلي:
أولا: إذا أمكن معرفة المصانع التي تذبح بطريقة غير شرعية فإن منتجاتها من اللحوم تجتنب.
ثانيا: هناك نوعان من الذبائح تنطبق عليها أحكام ذبائح أهل الكتاب، وهما موجودان عادة في الأسواق الأمريكية والأوربية ، وهما:
ـ ذبائح النصارى المتدينين الذين قد عرف عنهم أنهم يلتزمون الذبح، كطائفة الآمش ونحوهم.
ـ ذبائح اليهود فإنهم لايستجيزون أكل الميتات، واللحوم الخاصة باليهود عليها علامة معروفة ، وهذه وتلك يجوز شراؤها وأكلها.
ـ هذا غير اللحوم المذبوحة من المسلمين ، وهي مع الأسف قليلة وغير منافسة.
فإذا لم توجد هذه البدائل ـ وهذا قليل ـ ووجدت اللحوم معروضة وأنتم لاتعرفون عن الشركة الموردة لها أنها تذبح بطريقة غير شرعية فلكم أن تشتروها وتأكلوها استصحابا لحكم الأصل ، وهو أنها من ذبائح أهل الكتاب، وقد قال الله: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) [المائدة: 5] أي ذبائحهم، وقد قال سبحانه: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [التغابن: 16].
لكن إذا استفاض الخبر بكون اللحوم المعروضة في الأسواق لاتذكى الذكاة الشرعية، استفاضة تكدر صفو الاطمئنان إلى استصحاب حكم الأصل ، أو كثر من يتولى الذبح من غير أهل الكتاب، وهذا قد يتصور في الولايات الغربية مثل كاليفورنيا، فإن بها جاليات صينية ويابانية وكورية كبيرة وليسوا من أهل الكتاب ، فإذا كانوا يعملون عمالا في مصانع إنتاج اللحوم.. فإنه يجب التثبت من مصدر اللحم وديانة الذابح حينئذ، لأن الاستبراء للدين واجب، كما أن حكم الأصل، وهو حل ذبائح أهل الكتاب قد نوزع فيه وتطرق إليه الاحتمال، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
وليعلم أنه ليس هناك حكم واحد عام يمكن تطبيقه في كل مكان، بل لكل منطقة ظروفها ، لكن الضوابط التي أسلفنا ذكرها سوف تساعد في اختيار الأسلم بإذن الله.
هذا مايتعلق بمسألة اللحوم.
2 ـ أما كيف نتعامل مع الأواني والسكاكين التي قد يكون فيها بقايا من لحم الخنزير، فإنه ينبغي أن نطلب من صاحب محل البيتزا أو غيره ،كالجزار مثلا أن يستعمل سكينا نظيفة ، فإذا لم يمكن فلا أقل من أن يطلب إليه أن يطهر السكين التي يقطع بها، أو الإناء الذي يزن أو يقدم به الطعام إذا كان يلامس اللحم أو البيتزا مباشرة، وهذا يكون فقط في المحلات التي تبيع لحم الخنزير أو تقدمه مع البيتزا عند الطلب. وبهذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا ثعلبة الخشني عندما سأله:(يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها) متفق على صحته. ويكفي في التطهير أن يمسح منشار اللحم أو السكين بمنديل أو نحوه مسحا منقيا لايبقى بعده شيء من آثار اللحم أو الشحم السابق.
3 ـ أما منتوجات الأجبان والألبان والعصائر ، فما يتخوفه الكثيرون من اشتمالها على أشياء من الخنزير ، كالإنفحة أو الشحوم صحيح في الجملة ، لكثرته كثرة تدعو إلى التخوف، وتوجب التحري. لكن يكفي أن يقرأ الشخص مكونات هذه الأغذية ليعرف ما إن كان من بين مركباتها هذه الأشياء المحذورة أم لا. والذي يجري عادة أن الشركة المصنعة تكتب مكونات كل غذاء على غلافه بصورة مفصلة ترفع الشك ، وأحيانا تكون هناك عبارة مبهمة، مثل أن يكتب ضمن المكونات: إنفحة حيوان أو دهون حيوانية، دون تحديد نوع الحيوان، هل هو عجل أو خنزير. وفي هذه الحال نرى توخي الحذر ، لأن الغالب كونها من الخنزير، وعلى الأقل فإن كونها من الخنزير ليس احتمالا ضعيفا. وهذا يكفي في وجوب تجنبها.
وهنا نعود مرة أخرى إلى أطعمة اليهود التي تحمل العلامة المعروفة(k) فإنهم لايستجيزون أكل لحوم الخنازير، وبالتالي فإن أطعمتهم خالية من أجزائها.
فالحاصل أن لدينا الأطعمة التي يصرح بأن مكوناتها خالية من أجزاء الخنزير ، ولدينا أطعمة اليهود، وهم من أهل الكتاب.
4 ـ ويكفي ماكتب عليها مما يبين محتواها ، ولايلزم التعمق والبحث فيما وراء ذلك، لأن ذلك يفضي إلى الحرج والعنت، وقد قال الله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78]، ولأن ماكتب عليها يكفي في معرفة محتواها، والأصل أنه صحيح، لأنه لاتوجد أسباب تدعو إلى الشك فيه.
5 ـ أما مايتعلق بالشامبو وأنواع الصابون وكريم البشرة، فإن الأمر فيه أيسر، لكونه غير مطعوم من جهة، ولأن ما يفترض أن يكون موجوداً في تركيبه نزر يسير جدا، كما أنه قد تمت معالجتة كيمائيا حتى استحال شيئا آخر، فلا يضر وجوده ـ إن وجد ـ إن شاء الله، لقلته واستحالته بالمعالجة. على أنه إن وجد ما لاتدخل هذه المكونات من شحم الخنزير أو الكحول في تركيبه، فاستعماله أولى وأحوط.
ويتأكد اجتنابه إن كانت نسبة شحوم الخنزير أو الكحول كثيرة عرفا، كأن تكون مثلا 10بالمائة أو أكثر إذا قورنت بالمكونات الأخرى، لعموم قوله في الخمر (فاجتنبوه ) [المائدة: 90]، وقوله سبحانه في الخنزير (فإنه رجس) [الأنعام: 145]. مع ملاحظة أن الحذر مما فيه شىء من شحوم الخنزير أوجب للتنصيص على نجاسته، بخلاف الكحول فإن القول بنجاسته محل نظر.
وأمريكا تعد من بلاد أهل الكتاب، لأن النصارى غالبية سكانها، وهم أهل الشوكة والسلطة فيها.
والله تعالى أعلم.