الترياق الشافي لداء العجب الدوي

17-3-2014 | إسلام ويب

السؤال:
أنا طالبة أحفظ القرآن كاملا ـ ولله الحمد ـ وكنت أيضا معلمة قرآن، وتركت التدريس والتحفيظ، أشعر بالعجب أو الغرور ويأتي غصبا عني فمثلا: عندما تقرأ الفتيات أشعر بأنني الأفضل، ويقول لي كيف تقرأ هكذا؟ وأنا حقيقة متضايقة جدا ولذلك تركت التحفيظ والتدريس وأشعر أنني منافقة، وكل الأمور ليست بيدي، علما بأنني كنت وما زلت مصابة بالوسواس القهري، فهل له علاقة؟ وهل أنا منافقة لأنني أقرأ أمام المعلمة وبداخلي تلك الأمور القبيحة؟ تعبت كثيرا وابتعدت عن الكتاب الذي كان لا يفارقني، ابتعدت عن صديقي ورفيقي، وضللت الطريق بعدما كنت إنسانة صالحة بسبب تلك الوساوس والهواجس.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعافيك ويصرف عنك السوء ويهديك لأرشد أمرك، فواضح أن ما تشعرين به من العجب وما ترتب عليه من تركك التدريس والتحفيظ والبعد عن القرآن أن ذلك من وساوس الشيطان التي يريد بها إبعادك عن الخير، وسبب هذه الوساوس هو استرسالك معها واستسلامك لها، وعدم مجاهدتك نفسك في تركها والإعراض عنها، وقد بينا مرارا وتكرارا أن علاج الوساوس الذي لا علاج لها غيره ولا أنجع منه ـ بعد الاستعانة بالله ـ هو الإعراض عنها وعدم الاكتراث بها ولا الالتفات إلى شيء منها، وانظري الفتويين رقم: 3086، ورقم: 51601.

ولو فرض أن هذا العجب حقيقي وليس ناتجا عن هذه الوساوس، لكان من الخطأ البيّن أن تتركي حلقات القرآن بسبب العجب، بل ينبغي معالجة ومداواة هذا العجب مع الاستمرار في هذا الخير، ومن باب الفائدة نسوق لك كلاما جامعا في مسألة العجب لابن حزم ـ رحمه الله ـ في الأخلاق والسير في مداواة النفوس، حيث قال: من امتحن بالعجب فليفكر فِي عيوبه، فَإِن أعجب بفضائله، فليفتش مَا فِيهِ من الْأَخْلَاق الدنيئة، فَإِن خفيت عَلَيْهِ عيوبه جملَة حَتَّى يظنّ أَنه لَا عيب فِيهِ، فَليعلم أَن مصيبته إِلَى الْأَبَد وَأَنه أتم النَّاس نقصا، وأعظمهم عيوبا، وأضعفهم تمييزا، وَأول ذَلِك أَنه ضَعِيف الْعقل جَاهِل، وَلَا عيب أَشد من هذَيْن... وَاعْلَم يَقِينا أَن لَا يسلم إنسي من نقص حاشا الْأَنْبِيَاء ـ صلوَات الله عَلَيْهِم ـ فَمن خفيت عَلَيْهِ عُيُوب نَفسه فقد سقط وَصَارَ من السخف والضعة والرذالة والخسة وَضعف التَّمْيِيز وَالْعقل وَقلة الْفَهم بِحَيْثُ لَا يتَخَلَّف عَنهُ متخلف من الأرذال، وبحيث لَيْسَ تَحْتَهُ منزلَة من الدناءة فليتدارك نَفسه بالبحث عَن عيوبه والاشتغال بذلك عَن الْإِعْجَاب بهَا وَعَن عُيُوب غَيره الَّتِي لَا تضره لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة... وَإِن أعجبت بعملك فتفكر فِي مَعَاصِيك وَفِي تقصيرك وَفِي معاشك ووجوهه، فوَاللَّه لتجدن من ذَلِك مَا يغلب على خيرك ويعفي على حَسَنَاتك، فليطل همك حِينَئِذٍ وأبدل من الْعجب تنقصا لنَفسك، وَإِن أعجبت بعلمك فَاعْلَم أَنه لَا خصْلَة لَك فِيهِ وَأَنه موهبة من الله مُجَرّدَة وهبك إِيَّاهَا رَبك تَعَالَى، فَلَا تقَابلهَا بِمَا يسخطه فَلَعَلَّهُ ينسيك ذَلِك بعلة يمتحنك بهَا تولد عَلَيْك نِسْيَان مَا علمت وحفظت، وَلَقَد أَخْبرنِي عبد الملك بن طريف ـ وَهُوَ من أهل الْعلم والذكاء واعتدال الْأَحْوَال وَصِحَّة الْبَحْث ـ أَنه كَانَ ذَا حَظّ من الْحِفْظ عَظِيم لَا يكَاد يمر على سَمعه شَيْء يحْتَاج إِلَى استعادته، وَأَنه ركب الْبَحْر فَمر بِهِ فِيهِ هول شَدِيد أنساه أَكثر مَا كَانَ يحفظ وأخل بِقُوَّة حفظه إخلالا شَدِيدا لم يعاوده ذَلِك الذكاء بعد، وَأَنا أصابتني عِلّة فَأَفَقْت مِنْهَا وَقد ذهب مَا كنت أحفظ إِلَّا مَا لَا قدر لَهُ، فَمَا عاودته إِلَّا بعد أَعْوَام.

وقال في موضع آخر: فَمن سر بشجاعته الَّتِي يَضَعهَا فِي غير موضعهَا لله عز وَجل فَليعلم أَن النمر أجرأ مِنْهُ، وَأَن الْأسد وَالذِّئْب والفيل أَشْجَع مِنْهُ، وَمن سر بِقُوَّة جِسْمه فَليعلم أَن الْبَغْل والثور والفيل أقوى مِنْهُ جسما، وَمن سر بِحمْلِهِ الأثقال فَليعلم أَن الْحمار أحمل مِنْهُ، وَمن سر بِسُرْعَة عدوه فَليعلم أَن الْكَلْب والأرنب أسْرع عدوا مِنْهُ، وَمن سر بِحسن صَوته فَليعلم أَن كثيرا من الطير أحسن صَوتا مِنْهُ... فَأَي فَخر وَأي سرُور فِي مَا تكون فِيهِ هَذِه الْبَهَائِم مُتَقَدّمَة عَلَيْهِ. انتهى مختصرا.

والله أعلم.

www.islamweb.net