الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن حافظ القرآن أولى بقيام الليل، وبكثرة الصلاة فيه ممن ليس بحافظ, وقد جاء في الحديث فيما يغبط عليه الإنسان: وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ. متفق عليه. والمعنى: يسر له حفظ القرآن، وأقدره عليه، فهو يتلوه، ويتهجد به في الصلاة، وخارجها، أوقات الليل والنهار.
وروى البيهقي في الشعب عن عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذِ النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذِ النَّاسُ مُفَرِّطُونَ، وَبِحُزْنِهِ إِذِ النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذِ النَّاسُ يَخْتَالُونَ.
إلا أنه كغيره يشرع أن يقوم من الليل ما لا يشق عليه، وما يجد فيه نشاطه؛ لعموم قول النبي صلى اله عليه وسلم: لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ. متفق عليه.
فينظر في القدر الذي يمكنه أن يقوم به نشيطًا من أن يدخله كسل، أو نعاس، أو مشقة.
وأما ما يعينه على التدبر فانظر له الفتوى رقم: 159303، والفتوى رقم: 30338 عن الطرق المعينة على تدبر القرآن الكريم .
والقراءة بنية تثبيت الحفظ - أي: بمعنى امتثال الأمر بتعاهده - نية حسنة؛ لأن الشرع أمر بتعاهده حتى لا ينسى، ففي الصحيحين من حديث أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا.
فمن قرأه بتلك النية فقد تقرب إلى الله تعالى بتثبيت حفظ القرآن، وعدم تعريضه للنسيان, وليجمع إليها نية ذكر الله، والتدبر، والفهم والعمل, وليحرص على استحضار هذه النية كلما جدد قراءته للقرآن.
وإننا ننصح حملة القرآن بقراءة كتاب النووي - رحمه الله تعالى - "التبيان في آداب حملة القرآن" فإنه كتاب نافع في بابه، جمع فيه مؤلفه – رحمه الله تعالى – جملة من الآداب التي ينبغي لحافظ القرآن أن يراعيها، ومنها صلاته بالليل.
والله تعالى أعلم.