الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعلم السلوك هو العلم الذي يعنى بمعرفة الطريق الموصلة إلى الله تعالى، وكيفية سلوكها، والآفات التي تعرض للسالك فيها، وكيفية تجنبها؛ ولذا عرفه المناوي بقوله: هو النفاذ في الطريق.
ومن ثم فإن من يتكلم على النية بهذا الاعتبار يدندن حول معنى الإخلاص لله تعالى، وتجنب ما يضاده من الرياء، وهذا الإخلاص لله تعالى -بأن يعمل العبد العمل لا يريد به إلا وجه الله سبحانه، فلا يرائي به المخلوقين- واجب على كل مسلم، ولا يقبل عمل إلا بهذا الإخلاص، كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {البينة:5}. وقال صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه.
وأما ما يرشد إليه الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- من نية زائدة على الإخلاص لله تعالى كنية الامتثال لأمر الله ونحو ذلك، فهو أمر مستحب وليس بواجب، وقد أوضح الشيخ مراده بنية الامتثال فقال: وكذا كل ما أمر به الشرع ينبغي للإنسان عند فعله أن ينوي امتثال الأمر ليكون عبادة، ففي الوضوء ـ مثلاً ـ إذا أردنا أن نتوضأ، نقصد أن هذا شرط من شروط الصلاة، لا بد من القيام به، ونستحضر أننا نقوم بأمر الله ـ تعالى ـ في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. قد نذكره أحياناً، ولكننا ننساه كثيراً، وهل عندما نفعل هذا نشعر بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأنه أمامنا، وأننا نقتدي به فنكون بذلك متبعين؟ هذا قد نفعله أحياناً، ولكنه يفوتنا كثيراً، فينبغي للإنسان أن يكون حازماً لا تفوته الأمور، والأجور بمثل هذه الغفلة. انتهى.
وهذا قدر زائد على الإخلاص الواجب كما لا يخفى.
وأما نية الصلاة، فالواجب على المكلف أن ينوي عين الصلاة المعينة التي يريد أداءها، فينوي -مثلا- أنه سيصلي الظهر أو العصر أو نحو ذلك، ولا يجب عليه أن ينوي أبعاض الصلاة، بل نية الصلاة تأتي على جميع أجزائها.
قال ابن عابدين- رحمه الله- في رد المحتار: ولا يشترط نية أبعاض الصلاة. انتهى.
ونحذر من الوسوسة في أمر النية؛ فإن الوسوسة في هذا الباب وغيره تفضي إلى شر عظيم.
والله أعلم.