الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت تعني بقولك: (إلا في آخر اليوم جمعًا) أي: كل الصلوات جميعها تصلى في آخر اليوم حتى الظهر والعصر تصلى بعد الغروب، فإن هذا لا يجوز.
ومن علم أن تلك الكلية يتعذر معها أداء الصلاة في وقتها بكل حال، فإنه لا يجوز له الالتحاق بها؛ لما يترتب عليه من ترك الصلاة, وقد ذكر الفقهاء صورًا كثيرة في المنع من الأعمال التي تؤدي إلى ترك الصلاة, ومن ذلك ما جاء في مواهب الجليل للحطاب عن راكب البحر وحاله مع الصلاة:
رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
1) جَائِزٌ: إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِفَرْضِهِ قَائِمًا، وَلَا يَمِيدُ.
2) وَمَكْرُوهٌ: إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ عَادَةٌ بِرُكُوبِهِ، وَلَا يَعْلَمُ إذَا رَكِبَهُ هَلْ يَمِيدُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ.
3) وَمَمْنُوعٌ: إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ، أَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا لِكَثْرَةِ الرُّكَّابِ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ، قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ يَسْجُدَ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ، فَلَا يَرْكَبُ لِحَجٍّ، وَلَا لِعُمْرَةٍ أَيَرْكَبُ حَيْثُ لَا يُصَلِّي! وَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. اهــ.
ثم قال - رحمه الله -: إذَا رَكِبَهُ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ. فَهَلْ يُطْلَبُ بِالرُّجُوعِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطْلَبُ بِالنُّزُولِ مِنْهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ. اهــ.
فكذا يقال لا يجوز الدخول للكلية التي يتعذر فيها أداء الصلاة لوقتها, ومن دخلها ولم يتمكن من أداء الصلاة، وجب عليه الخروج منها.
وأما إن كنت تعني بقولك: (إلا في آخر اليوم جمعًا) أي أنه يصلي الظهر والعصر جمعًا في وقت العصر, ويصلي المغرب والعشاء جمعًا في وقت العشاء، فهذا ينبني على حكم الجمع بالنسبة للمقيم عند وجود حاجة - في غير الأعذار التي ورد بها النص، كالمطر - فذهب بعضهم إلى الجواز؛ لحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ. قَالَ: فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. اهــ. قال الحافظ في الفتح: وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَجَوَّزُوا الْجَمْعَ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بن اسِيرِين، وَرَبِيعَة، وَأَشْهَب، وابن الْمُنْذِرِ، وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. اهــ.
والجمهور يمنعون الجمع لهذا، وحملوا حديث ابن عباس على الجمع الصوري, والذي يمكننا قوله هو أن هذا القول فيه سعة للدارس في تلك الكلية، بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة كما هو الشرط عند القائلين بجوازه, ولا شك أن عدم دخول تلك الكلية أحوط وأبرأ للذمة، لا سيما إذا كانت كلية شرطة، أو كلية عسكرية؛ فإن عدم الدخول فيها أولى إذا أُخِّرِتْ فيها الصلاة؛ لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَلَا يَكُونَنَّ عَرِيفًا، وَلَا شُرْطِيًا، ولا جابيا، ولا خازنًا. اهــ. وعند الطبراني مرفوعًا بسند فيه ضعف: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةً، وَوُزَرَاءُ فَسَقَةً، وَقَضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ جَابِيًا، وَلَا عَرِيفًا، وَلَا شُرْطِيًّا.
والله أعلم.