الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع تفسير الحديث في الفتوى رقم: 128746.
وأما بخصوص سؤالك، وهل باستماعك لقراءة الإمام واستحضارك لها تكون كمن قرأ في كونك تعد من القانتين: فلم نطلع على من نص على ذلك من أهل العلم ولكن نرجو أن تُحتسب له قراءة الإمام إذا أنصت، جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله: فلما دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الاستماع أفضل له من القراءة علم أن المستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ، وهذا المعنى موجود في الفاتحة وغيرها، فالمستمع لقراءة الإمام يحصل له أفضل مما يحصل بالقراءة، وحينئذ فلا يجوز أن يؤمر بالأدنى وينهى عن الأعلى، وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة، كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ـ وهذا الحديث روي مرسلا ومسندا لكن أكثر الأئمة الثقاة رووه مرسلا عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسنده بعضهم، ورواه ابن ماجه مسندا، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومرسله من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 179705، ورقم: 134878.
وللحافظ ابن رجب في اللطائف ما يفهم منه أن المأموم داخل في ذلك الأجر، قال: وسئل الإمام أحمد عما روي عن عمر كما تقدم ذكره في السريع القراءة والبطيء، فقال: في هذا مشقة على الناس ولا سيما في هذه الليالي القصار، وإنما الأمر على ما يحتمله الناس، وقال أحمد لبعض أصحابه وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاء قوم ضعفى اقرأ خمسا، ستا، سبعا، قال: فقرأت فختمت ليلة سبع وعشرين، وقد روى الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس كان يقرأ خمس آيات، ست آيات وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يراعي في القراءة حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وقاله أيضا غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، وقد روي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته ـ خرجه أهل السنن وحسنه الترمذي، وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة لكن مع الإمام، وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام، وقال بعض السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل، وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ـ يعني أنه كتب له قنطار من الأجر ـ ويروى من حديث تميم وأنس مرفوعا: من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قيام ليلة ـ وفي إسنادهما ضعف، وروي حديث تميم موقوفا عليه، وهو أصح، وعن ابن مسعود قال: من قرأ ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب له قنطار، ومن أراد أن يزيد في القراءة ويطيل وكان يصلي لنفسه فليطول ما شاء، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك من صلى بجماعة يرضون بصلاته. انتهى.
وعلى افتراض أنه لا يقع للمأموم هذا الأجر، فصلاته مع الإمام أكمل أجراً، وأفضل من مجرد صلاته وحده ـ ولو نال هذا الأجر ـ كما بينا في الفتويين رقم: 25991، ورقم: 55148.
والله أعلم.